مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عام 2002 اتصل بى إدوار الخراط يريد رؤيتى، وكنت فى هذه الأيام أصدر ومعى عدد من الشعراء المصريين والعرب مجلة «شعر» المنحازة كليا إلى قصيدة النثر، وكانت الكتابات المحتفية بالعددين الأول والثانى من المجلة تملأ الصحف والدوريات .وعندما ذهبت إليه فى بيته الصغير الأنيق والمزدحم بالكتب بالزمالك، كان أول ما حدثنى عنه هو تلك المجلة الفقيرة التى نصدرها على نفقتنا الخاصة، وكيف تذكره بتجربته الطليعية فى مجلة «جاليرى 68»، وتطرق اللقاء إلى محطات الشعر العربى والمصرى وكانت لى فيها آراء صادمة بالنسبة إليه، لكنه تقبلها كعادته بابتسامة وهزات من رأسه الذى يخزن البيانات والمعلومات عن الشعراء والروائيين الذين يقابلهم.
فى تلك الجلسة فاجأنى إدوار الخراط أنه يريد أن أصدر له ديوانا شعريا، وكنا أعلنا ضمن خططنا الطموحة فى «شعر» أننا بصدد إصدار ملفات شعرية عن الشعراء فى كل بلد عربى خاصة البلدان المهمشة أدبيا مثل ليبيا والسودان والسعودية واليمن والجزائر إلخ، كما أعلنا عن إصدار كتاب مجلة شعر الذى نحتفى فيه بالنصوص الطليعية التى تمثل ذائقة شعرية مختلفة، لكنى رددت عليه على الفور أننى لم أعرفك شاعرا، نحبك روائيا وقاصا صاحب طريق مختلف وفريد فى الكتابة، لكن الشعر لا، ولم ينته الكلام عند هذا الحد، بل ظل إدوار الخراط يدافع عن فهمه ورؤيته للشعر وعن دواوينه الأربعة التى أصدرها آنذاك، بينما لم أتخل عن صراحتى الوقحة فى تلك الجلسة.
كنت ومازلت أحب لإدوار الخراط أعماله القصصية الأولى «حيطان عالية»، «ساعات الكبرياء»، «محطة السكة الحديد»، «ترابها زعفران»، بالإضافة إلى روايته الخاصة جدا «رامة والتنين»، ولم تدهشنى بعدها الأجزاء التالية لها أو الطريق الذى حاول أن يشقها قسرا للإفادة مما حققته «رامة والتنين» من ذيوع فور صدورها عام 1980 أو 1981 على ما أذكر، كما أن أعماله التى وصفها بالدواوين الشعرية، بعضها مقتطفات من رواياته ومقاطع سردية تغلب عليها الاستعراضات اللغوية والاشتقاقات الغريبة واللعب اللفظى، وفى تلك الجلسة أيضا، لم أخف رأيى عنه خاصة وأنه كان يريد أن تصدر له مجلة «شعر» التى نعتبرها تجليا لمشروعنا الإبداعى ديوانا.
بإصرار عجيب، وكأنه كان يعرف رأيى وعنادى، أخرج إدوار الخراط مجموعة من أعماله، كان قد أعدها ودفع بها إلى قائلا: «اختر أنت النصوص والمقاطع التى تريد للديوان، يمكنك أن تختار عملا أو مقاطع من الأعمال، لكنى أريد لى ديوانا بينكم»، وحملت الكتب بعد أن شرقنا وغربنا فى موضوعات ثقافية وبعد أن عرجنا على الأسماء الرائجة بحق وبدون حق، وأنا أفكر فى شيئين: توقعاته الخاصة بالمجلة التى نصدرها وكيف أنها ستتوقف بعد أعداد قليلة، وإصراره على الجلوس فى دائرة الشعراء الغاضبين الرافضين لمعظم الأسماء والأعمال الحاضرة.
وبالفعل توقفت مجلة شعر بعد العدد الثالث، وما زالت أوراق العدد الرابع وملفاته عن الشعر المغاربى فى أدراجى، أعود إليها بين وقت وآخر، بحماس من يريد أن يستأنف المشروع ويستعيد الحلم، وبالفعل انتخبت لإدوار الخراط مجموعة من القصائد تمثل حوارا مع أعمال الفنان أحمد مرسى بعنوان «ضربتنى أجنحة طائرك» وأصدرتها له مزينة برسوم مرسى، تقديرا لرائد مناضل بين التيارات الأدبية.
وعندما حملت إليه عددا من النسخ قلت له ضاحكا: أنت الآن تجلس مع الشعراء الغاضبين على الأرض وتلعن الأدعياء والمرتزقة الذين يفسدون الحياة، وضحك بدوره ضحكة مجلجلة وأمال رأسه إلى الوراء، ثم دعانى إلى نخب احتفالا بالكتاب.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة