العالم ينتخب الغد ونحن ننتخب الأمس
فى الجولة الثانية من الانتخابات المصرية كما فى الجولة الأولى، لجان خاوية، ونكات بايخة وشتائم متبادلة، ما بين محرض على النزول للانتخابات يتعامل مع الشعب باعتباره ناقص أهلية، ومحرض آخر على مقاطعتها يتعامل مع الشعب بذات طريقة المحرض الأول، وفى الحالتين الشعب هو المتهم، لو نزل إلى الانتخابات فسيجد من يقول له: هذه نتائج اختياراتك الخاطئة، وإذا لم ينزل فسيجد من يقول له: هذه نتيجة تفريطك فى حقك السياسى وعدم الإدلاء بصوتك، واللوم مضمون فى الحالتين لأن التجارب علمتنا أن القاعدة هى أن القادم أسوأ، ولهذا فضل الشعب أن يترك مجلس النواب يتيما، لا أب يعود إليه الشاكون، ولا مرجعية يعتمد عليها المفسرون، تركوه فى الفراغ، لتصبح المحصلة النهائية هى أن أشباحا نافست أشباحا لتفوز بمقعد وهمى.
البعض يقول إن موازين اللعبة الانتخابية اختلت بغياب جماعة الإخوان المسلمين عن المشهد، لكن الوقائع التاريخية تثبت عكس هذا، فانتخابات ما قبل 25 يناير كانت تضم الإخوان، وكانوا يشاركون فيها بقوة ويطلقون فيها العنان لمهارتهم الحشدية والترويجية والتحريضية، ومع هذا لم تكن نسبة المشاركة بهذه الانتخابات لتزيد على نسبة المشاركة فى انتخابات 2015، وفداحة المشهد تكمن فقط إذا ما قارنا انتخابات ما بعد يناير وحتى ما بعد 30 يونيو، بانتخابات 2015، فمن أين أتت المفارقة؟
يقولون إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ويقولون أيضا إن الشعب المصرى «مؤمن بطبعه»، ومع ذلك يبدو أننا نصر على الأمرين- الإيمان واللدغ- بنفس درجة الإصرار، فلم نتعلم من كل كوارثنا السابقة أن ثقافة «الحشد» لا تناسب إلا شعبا به من صفات القطعان أكثر من صفات البشر، وأن هذا «الحشد» الأعمى الذى يتعامل مع البشر باعتبارهم درجات سلم لابد أن يخطو فوقها المرشح ليركب على ظهورهم هو الذى ورط مصر فى الكارثة تلو الأخرى، وأن التباهى بالقدرة على الحشد يكاد ينسف العملية الانتخابية بأسرها، فلا فرق بين شعب يذهب إلى الانتخابات خوفا من الذهاب إلى النار، وشعب آخر يذهب إلى الانتخابات خوفا من دفع 500 جنيه غرامة، ولا فرق بين شعب يذهب إلى الانتخابات طمعا فى الجنة، وشعب آخر يذهب إلى الانتخابات طمعا فى 50 رشوة انتخابية، فكل هذه المرهبات والمرغبات لا تتعامل مع شعب واع يدرك خطورة اللحظة الراهنة وإنما تتعامل مع «قطيع» يساق إلى حيث يريد الراعى.
فى كل انتخابات العالم، يذهب الناخبون إلى اللجان ليراهنوا على المستقبل وليرسموا المستقبل وليؤسسوا وطنا للأبناء، إلا انتخاباتنا، نذهب إلى اللجان لننتخب الماضى، ولننتصر للماضى ولنصفى حسابات الماضى، قد وقعنا فى الفخ، ولا فكاك عنه ولا مهرب، نربط أهدابنا بأصابع قدمينا، فنظل مشدودين إلى الأسفل والأسبق والأقدم، ونتعجب من أننا لا ننظر إلى الأمام.