نهر النيل، شريان الحياة للمصريين، منذ بدء الخليقة وحتى الآن، وهذه حقيقة ناصعة غير قابلة للجدل السفسطائى العقيم، أو تنظير ولوغاريتمات عمرو حمزاوى، ودس سم عبدالمنعم أبوالفتوح فى عسل كلام الإخوان لإحراج النظام، وأن قرار المحافظة على حصة مصر من مياه النيل غير قابل للنقاش، ودونها الموت.
وتؤكد المراجع والكتب التاريخية، والوثائق، والشواهد الأثرية، أن المصرى القديم، جعل من النيل «إلهًا» يحمل اسم «حابى»، ومن فيضانه «روحًا» تمنح الحياة للأرض والزرع والحيوان والبشر، ونظموا التراتيل والصلوات له، منها: «هو الذى يغذى ويطعم ويجلب المئونة لمصر كلها، الذى يهب كل فرد الحياة، ويأتى الخير فى طريقه والغذاء عن بنانه، ومجيئه يجلب البهجة لكل إنسان، إنك فريد، أنت الذى خلقت نفسك من نفسك، دون أن يعرف أى فرد جوهرك».
ومن عبارة المصرى القديم «أنت الذى خلقت نفسك بنفسك دون أن يعرف أى فرد جوهرك»، يتأكد أن هناك ترسيخا فى أعماق وضمير المصريين أن النيل ليس ملكا لإثيوبيا، أو أوغندا أو السودان، أو غيرها من الدول، ولا يمكن السكوت تحت أى ظرف من الظروف فى حالة التأثير على حصة مصر القانونية من النيل.
وبعيدا عما ستفسر عنه مفاوضات سد النهضة، فإننا لابد أن نؤكد على حقائق مهمة، ولا ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونقولها بصوت عالٍ، أن ممارسات وسلوكيات المصريين فى عصرنا الحالى، تجاه نهر النيل، تدعو للأسى والألم، ولا يمكن أن نكون متجاوزين لو أكدنا أن ما يفعله المصريون حاليا فى النيل أخطر من سد النهضة.
المصريون حاليا، لم يقدروا نعمة مياه نهر النيل، عكس أجدادهم الذين قدسوه، ورأينا صراعا مريرا من رجال أعمال للتعدى على نهر النيل «بالردم» والبناء، للدرجة التى وصلت فيها حالات التعدى حسب الإحصائيات الرسمية إلى 50 ألفا و399 حالة تعدٍ مختلفة، لم تتمكن الحكومة إلا من إزالة 6 آلاف حالة فقط.
وإذا كانت هذه المخالفات التى أمكن حصرها رسميا، وأصبحت معلومة، فإن ما خفى كان أكبر وأعظم ولم ترصده عيون المسؤولين حتى الآن، ونسأل كيف لإنسان مصرى يعيش بيننا لا يقدر قيمة هذا النهر العظيم الذى قامت على ضفافه أعظم الحضارات، وشريانا رئيسيا وجوهريا مسؤولا عن حياة المصريين، أن يتجرأ ويتعدى ويردم النهر لإقامة منتجعات سياحية، أو أبراج سكنية؟
الأمر لا يتوقف على الردم، ولكن ما تضخه المصانع من مواد كيماوية وسموم وملوثات قاتلة، إنما يمثل كارثة كبرى تتجاوز مخاطرها كل التهديدات التى يمثلها سد النهضة والسدود الأخرى، ومن المعروف أن مصر تعالج سنويا نحو 4 مليارات متر مكعب من مياه الصرف، عن طريق المحطات المنتشرة فى المحافظات المختلفة، ويصل عددها إلى ما يقرب من 400 محطة، وهذه المحطات تعالج مياه الصرف بيولوجيا، ولا تستطيع معالجة المواد السامة التى تجد طريقها لنهر النيل ما يتسبب فى إصابة الزرع والطير والحيوان والبشر بأمراض خطيرة.
الغريب أن الشركة القابضة المسؤولة عن التشغيل والصيانة لمرافق المياه والصرف الصحى، يعترف مسؤولوها أن محطات الصرف الصحى الحكومية لا تقوم بمعالجة السموم التى تصل مع مياه الصرف للمحطات من المصانع، خاصة مادة «الفينول» التى يُصنع منها «الفنيك» ويستخدمها المواطنون لتطهير الحمامات، وهى مادة شديدة السمية ناهيك عن الرصاص والزنك والمنجنيز لا تعالجها محطات الصرف.
إذن نحن المصريون «اللى بنعمله فى النيل أخطر من سد النهضة»، فعلا لا قولا...!!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة