«الطيب» صادم أمام المهاترات
وكأننا مشغولون بالبحث عن الحيوان الكامن فى داخلنا، لا نكلف أحدا جهدا ليشير إلينا بأصابع الاتهام، فنشير إلى أنفسنا معترفين بالجرم ومؤكدين الذنب، نتهم «داعش» بالإرهاب والإجرام والإفساد والحيوانية، لكننا فى ذات الوقت نستنسخ «داعش» آلاف المرات كل يوم، وليس هذا فحسب وإنما نلوم من ينأون بأنفسهم عن تقمص داعش وأفعالها، ومن لا يصدقنى فلينظر إلى تلك الحملة المسعورة التى تطالب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بتكفير داعش، وسط امتناع «رشيد» منه عن هذا الانزلاق الذى لو حدث فسيكون ردة بغيضة عن بعض المدنية التى نعيش فى ظلها.
لا تتوقف الحملة عن دفع الرجل دفعا إلى تكفير هذا التنظيم، وكأن العالم كله قد تخلص من شرور هذا التنظيم وأسلحته ومليشياته جرائمه ولم يبق لنا إلا تكفيره للإجهاز عليه، وللأسف فقد تبنى هذه الحملة العديد من الأسماء التى تحسب على المثقفين والتنويريين، غير مدركين أنهم بدعواهم هذه يريدون أن يعود «الآن» إلى «الأمس»، وأن يتحول الأزهر إلى باباوية العصور الوسطى، وأن نعود نحن إلى زمن كان الفتك فيه باسم الدين مباحا بل ومستحبا، فمتى فالتكفير داء إن سمحنا بإدخاله إلى حياتنا الرسمية فسيطولنا جميعا، وسنتحول إلى جماعة من قاذفى اللهب، لا نشغل بالنا بمدى الحرائق التى تتسع حولنا بقدر ما نشغل بالنا بإصابة خصومنا بالنار.
نريد تأسيس دولة مدنية حقيقية، وفصل التدخل الدينى فى الأمور السياسية، وأن نمارس حياتنا دون وصاية فوقية تسلب منا حياتنا، ونريد أن نفتح عيوننا على أفق لا تحده الحدود، لكن للأسف من يطالبون بالانفتاح والحرية والديمقراطية يسقطون فى أول اختبار حقيقى، ويتحولون إلى زبانية لمحاكم التفتيش، يريدون من شيخ الأزهر الذى لم يكفر أحدا فى تاريخ أن يمسك بسهام التكفير ويلقى بها إلى الناس، هذا مؤمن وهذا كافر وهذا يستتاب، وليتنى أعرف لماذا يسأل هؤلاء شيخ الأزهر دائما عن مدى كفر داعش أو إيمانه إذا كانوا معتقدين تمام الاعتقاد أن هذا التنظيم كافر وأنهم صاروا العلماء الأعلم وأن من حقهم الإفتاء؟
هؤلاء لا يدركون أن شيخ الأزهر مجبر بحكم استنارته وانتمائه الفكرى إلى رفض تكفير كل من يقول لا إله إلا الله، وأنه بحكم موقعه واعتقاده لا يستطيع أن يوصم داعش بالكفر برغم أفعاله الفاسدة، وغاية ما يستطيعه أن يحكم عليه بالإفساد، لأن أعمال داعش على بشاعتها لا تخرجه من «الدين» وإنما تخرجه من «الإنسانية»، فالتوصيف الدينى لهذه الأفعال هى «إفساد فى الأرض» والإفساد يدخل فى حكم «المعصية» أو «الكبيرة»، وإن أفتى شيخ الأزهر بتكفير مرتكب الكبيرة فسيكون متبعا لرأى «الخوارج» الذى يرون أن مرتكب الكبيرة كافر ومآله النار، وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على الجميع فسيقع نصف المجتمع، إن لم يكن كله، تحت مظلة الكفر من حيث لا ندرى، واسمح لى أن أتوجه إلى شيخ الأزهر الجليل بأسمى التحيات على استنارته ووعيه وصموده أمام المهاترات التافهة التى تخرج من أفواه الموتورين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة