نقلا عن العدد اليومى...
تتحسس الأم بطنها، تتابع كل يوم حركة جنينها، تنتظر أن تراه وتلمسه وتسمع بكاءه، تتابع نموه وأولى كلماته، تحلم بكل هذه التفاصيل منذ أن كانت طفلة، ولكن قد يتغير كل هذا السيناريو إذا ما جاء هذا الطفل مصابا بأحد أشكال الإعاقة، لتجد نفسها أما لطفل من ذوى الاحتياجات الخاصة.
تلك الصدمة التى مر بها كل الآباء والأمهات الذين رزقهم الله بطفل أو طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة، صدمة قد تتحول إلى إرادة وتحد يخلق من هذا الطفل طفلا مميزا، ويجعل من هذه المحنة منحة، وقد يحدث العكس ويرفض أو يعجز الوالدين عن التعايش مع هذه الظروف والاحتياجات الخاصة، ويدعم ذلك ضعف فى الخدمات المقدمة لهذه الفئة، فيعتبران هذا الطفل حملا وعبئا، بل وقد يصل الأمر إلى اعتبار هذا الملاك البرىء عارا على الأسرة تحاول إخفاءه عن العالم، وهى أقصى درجات القسوة.
وبمناسبة اليوم العالمى لتحدى الإعاقة نقدم فى هذه السطور نماذج استطاعت أن تتحدى الإعاقة بمساعدة الأهل، وأسباب الإعاقة وكيفية التعرف على إصابة الطفل بأحد أنواعها وأهم مشكلات المعاقين فى مصر، وكل ما يجب أن تعرفه حتى يستطيع طفلك أن يتحدى إعاقته ويصبح شخصا طبيعيا متفوقا.
مصطفى إيده عند ربنا وإيد ربنا معاه
فين إيدك يا مصطفى، يرد: «إيدى عند ربنا» بهذه الإجابة يرد الطفل مصطفى أحمد وهدان، الذى لم يتجاوز 8 سنوات، ويعانى من فقدان يده اليسرى، ليكون أحد الأطفال الست الذين يتعرضون لحالة مرضية نادرة تحدث كل 100.000000 على مستوى العالم بولادة طفل ناقص أحد الأطراف الحركية.
وما بين الإعاقة والوصول للبطولة رحلة طويلة يحكى تفاصيلها والده المحاسب أحمد وهدان قائلا: الإرادة جعلت مصطفى يتحمل برغبته فترة التمرينات التدريبية لمدة 18 ساعة فى اليوم، ممارسا رياضة السباحة و9 ساعات من رياضة التايكوندو وأيضا يتفوق دراسيا فيصبح ضمن العشر الأوائل على المدرسة فى الصف الثالث ويحصل على 99 %.
حصل مصطفى على ثلاث ميداليات فضية وواحدة برونزية فى رياضة السباحة فى بطولات الجمهورية وكأس مصر، يعتبر اللاعب المصرى الوحيد من ذوى الاحتياجات الخاصة، ويعانى من إعاقة بأحد أطرافه والحاصل على الحزام الأحمر فى لعبة التايكوندو، لذلك لقبه مدربوه بلقب «ملك الغابة».
مى هزمت الإعاقة بالسباحة
وتروى السيدة أمل عبدالله حامد، والدة البطلة مى خالد محمد حسن، قصة رحلتها مع ابنتها «مى»، التى عانت من شلل دماغى عند بلوغها 6 شهور بعد جولة كبيرة على الأطباء لتشخيص التشنجات يصاحبها تغيرات فى حركة العين، وفى النهاية علمت أن البنت تعانى من ضمور بالمخ يؤثر على القدرة الحركية بالجانب الأيمن.
وعن ممارستها للسباحة تقول والدة مى: «عندما كانت تتلقى العلاج الطبيعى المائى وعمرها 8 سنوات لاحظ المدرب تفوقها فى السباحة، وقام بترشيحها للاشتراك فى البطولات إلى أن استطاعت الفوز بأكثر من بطولة، كان آخرها الحصول على المركز الثالث على مستوى الجمهورية 2014 لمسابقات ذوى الاحتياجات الخاصة.
وتكمل: «حصلت على دورة تدريبية لمعرفة كيفية التعامل مع ابنتى من خلال إحدى الجمعيات الخيرية، وأحلم بأن يتحقق حلم كل طفل معاق فى الحصول على أحقيته فى التعليم، فأكثر الأشياء التى أحزنتنى أن العديد من المدارس رفضت قبول ابنتى بدون مانع قانونى، وعندما توصلت لإحدى المدارس المخصصة للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، وجدتها بدون إمكانيات لتأهيل أطفال يعانون من إعاقة، وحاليا تتلقى تعليمها بمدرسة تابعة للجمعيات الخيرية بطريق مصر بلبيس.
وتطالب الأم المسؤولين بتوفير ولو فصل واحد داخل المدارس العادية وتأهيل الأمهات للتعامل مع الأطفال المعاقين.
تجنب إنجاب أطفال معاقين بالفحوصات
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن نسبة المعاقين فى مصر تتراوح بين 13 إلى 15 % من تعداد السكان، وتتنوع بين الإعاقات الحركية والسمعية البصرية والذهنية وتمثل نسبة الإعاقة الذهنية بينها 3.5 %.
ومن جانبه قال دكتور محمد شورى، أخصائى المخ والأعصاب: هناك بعض الفحوصات والتحاليل التى يجب إجراؤها قبل الزواج، وكذلك أثناء الحمل لتجنب ولادة طفل معاق وهى:
1 - قبل الزواج يجب إجراء فحص الكورموسومات والجنيات الوراثية التى تفيد نتائجها أن الحمل لن يسفر عن ولادة طفل لديه إعاقة.
2 - فحص أثناء الحمل الذى يجب إجراؤه فى حالة أن سبق لزوجين ولادة طفل لديه إعاقة من قبل، ويرغبون فى ولادة طفل آخر، فى هذه الحالة يتم إجراء فحص سحب عينة من السائل الأمينوسى بالشهر الرابع أو الثالث أثناء الحمل، ومن خلال نتائجها يمكن معرفة إذا كان الجنين يحمل تشوهات ولديه إعاقة أم لا.
ومن أهم أسباب إنجاب أطفال معاقين زواج الأقارب وإصابة الأم الحامل ببعض الأمراض مثل الحصبة الألمانية أو التعرض للإشعاع، وتناول الأدوية خاصة خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل أو أثناء الولادة مثل تأخر وصول الأكسجين إلى المخ أو بعد الولادة مثل تعرض الطفل للإصابة ببعض الأمراض أو التعرض للحوادث.
مرحلة اكتشاف إعاقة الطفل.. وكيفية تشخيصها
مشكلة اكتشاف إعاقة الطفل من أصعب المراحل التى يمر بها الأهل لما تتضمنه تلك المرحلة من صدمة الأهل بمعرفة إعاقة الطفل أيا كان نوعها.
حول ذلك يقول الدكتور محمد فؤاد، أخصائى الصحة النفسية: هناك بعض المؤشرات الأولية التى قد تساعد الأم فى الكشف المبكر عن إصابة الطفل بالإعاقة منها:
1 - تأخر النمو الحركى للطفل
2 - عدم وجود مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعى
-عدم البكاء على الأم عند بعدها عنه.
-عدم الاستجابة لمحاولة الأم اللعب معه أو «ملاغاته» وعدم إبداء استياء من الغرباء.
- عدم التواصل البصرى مع الأم.
3 - عدم قيام الطفل بالمناغاة أو إصدار أصوات وكلمات بسيطة مثل باباـ ماما.
4 - قد يظهر الطفل بعض السلوكيات غير المعتادة مثل البكاء والصراخ لفترات طويلة، أو عدم إبداء استياء من البلل فى حالة التبول، القيام بسلوكيات نمطية متكررة.
لذلك يستوجب على الأم فى حالة ملاحظها ظهور تلك الأعراض على طفلها استشارة الطبيب.
ومن جانبها تقدم دكتورة أسماء فتحى الزغبى، أخصائى تخاطب وتنمية مهارات وطرق تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة، بعض الإرشادات للأمهات يجب مراعاتها للاطمئنان على حالة طفلها من خلال الآتى:
1 - عرض الطفل على طبيب الأنف والأذن والحنجرة لإجراء الكشف الطبى والإكلينكى، للتأكد من سلامة حاسة السمع عن طريق فحص قياس السمع والضغط السمعى لاستبعاد إصابة الطفل بالتوحد إذا كان يعانى من اضطرابات بالانتباه.
2 - عرض الطفل على طبيب المخ والأعصاب بشرط أن يكون متخصصا فى علاج ذوى الإعاقة الخاصة.
3 - العرض على طبيب الأمراض النفسية والمتخصصين فى تأهيل وتنمية مهارات الأطفال ذوى الاحتياجات الخاص.
لو اكتشفت أنه معاق ماتحزنش.. بإيدك تعمل منه بطل
يلجأ بعض الأهالى عند اكتشاف إعاقة الطفل، خاصة الإعاقة الذهنية فى بعض الأماكن الريفية والشعبية لحجب الطفل وإخفائه عن العالم الخارجى، وحول ذلك تقول دكتورة رشا الجندى، مدرس مساعد علم النفس بجامعة بنى سويف: هناك بعض النصائح التى ينبغى على الأم مراعاتها فى التعامل مع طفلها المعاق وأهمها:
1 - عدم الكسوف أو الشعور بالخذلان، لأن هذا الشعور السلبى يؤثر على حالة الطفل النفسية بل، ويتسبب فى إكساب الطفل بعض السلوكيات الخاطئة.
2 - تقبل إعاقة الطفل واعتباره هدية ومنحة من رب العالمين.
3 - تبدأ ملاحظة الأشياء التى يفضلها الطفل ولديه الاستعداد فى تنميتها أو ممارستها مثل الرسم والغناء والرياضة.
4 - فى حالة إن كان الطفل لديه إخوة، يجب أن تحاول الأم تهيئة أبنائها الأصحاء لكيفية التعامل مع الأخ من ذوى الاحتياجات الخاصة.
5 - بذل جهود لإلحاقه بالمدارس العادية لدمجه مع الأطفال العاديين.
6 - إشراكه فى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة التى يستطيع الطفل عملها، وكذلك أساسيات الاعتماد على نفسه فى العناية الشخصية بنفسه وتعليمه بعض الأمور الدينية التى يستوعبها.
معلوماتك هتحميه من مشاكل المراهقة
مرحلة المراهقة والانتقال من الطفولة إلى البلوغ أحد أهم المراحل فى حياة الأطفال بصفة عامة، وفى حياة الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة والإعاقة الذهنية بصفة خاصة لما تتضمنه تلك المرحلة من صعوبات.
حول ذلك يقول وليد نادى، باحث تربية ورئيس رابطة أباء وأمهات ذوى الاحتياجات الخاصة: مرحلة المراهقة والبلوغ لذوى الاحتياجات الخاصة لا تختلف كثيرا عن الأطفال العاديين، خاصة فى الحالات البسيطة من الإعاقة.
وتزداد المشكلات الجنسية ومشكلات المراهقة على وجه الخصوص فى الإعاقات الذهنية، نظرا للطبيعة الخاصة لهذه الإعاقات، كما قد ينتج عنها بعض المشكلات الجنسية نتيجة الجهل بالثقافة الجنسية، وعدم القدرة على ضبط الذات، حيث يكون أغلب الذكور المصابين بمتلازمة داون لديهم ضمور وصغر حجم العضو الذكرى، ولكن فى بعض الحالات يصبح المعاق ذهنيا شرها من الناحية الجنسية، بسبب طريقة تعامل الآخرين معه، وهو ما يحتاج لتوعية الأباء والأمهات.
لذلك من الضرورى أن يحصل الأهالى والقائمون على رعاية الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية على تدريبات توعية خاصة بكيفية التعامل معهم فى تلك الفترة، مؤكدا أن من أبرز المشكلات الجنسية التى يعانيها ذوو الإعاقة فى مصر مشكلة التحرش الجنسى، خاصة لذوى الإعاقة الذهنية وهناك العديد من الحالات التى تم تسجيلها مؤخرا.
ويطالب نادى بتغليظ العقوبة على أى فرد يعتدى جنسيا أو يتحرش بشخص من ذوى الإعاقة.
من حقه يتعلم وممكن يتجوز
تسود حالة من القلق داخل الأسرة التى لديها ابن أو ابنة من ذوى الإعاقة الذهنية والاحتياجات الخاصة حول إمكانية زواج أبنائهم.
حول ذلك يقول حسن يوسف، خبير تشريعات الإعاقة وحقوق الإنسان ورئيس جمعية شموع لحقوق الأطفال ذوى الإعاقة: هناك بعض المشاكل التى يتعرض لها المعاقون ذهنيا فى مسألة الارتباط والزواج من خلال ما يلى:
1 - الأسرة التى لديها فتاة معاقة فى الغالب تتبع أسلوب حجب الفتاة عن العالم الخارجى، وهذا الوضع منتشر على جميع المستويات الثقافية والاجتماعية.
2 - الأسرة التى لديها ابن معاق ذهنيا يلجأ أهله أحيانا لتزويجه فى الغالب من فتاة فقيرة غير متعلمة حتى تستطيع خدمة هذا الابن.
3 - هناك بعض الأسر عندما يتزوج أبناؤها المعاقون تقوم بالتدخل الجراحى لمنع الإنجاب أو اتباع وسائل بدائية أخرى مثل إعطاء بعض الوصفات الشعبية لمنع حدوث الحمل خوفا من ولادة طفل معاق.
ويوضح: إن الاتفاقيات الدولية والقنوات التشريعية الرسمية والدينية الموجودة فى مصر تدخلت بالفصل فى زواج أصحاب الإعاقة، حيث قام الأزهر بإصدار فتوى تنص بإجازة زواج المعاق ذهنيا، وأنه زواج غير محرم شرعا، وأنه حق طبيعى ودينى بشرط إرفاق تقرير طبى شامل يحدده الطبيب المتخصص بشأن هذا الزواج، وأنه لن يسفر عن إنجاب طفل معاق، كما وضع شروطا وضوابط أخرى أهمها:
1 - وجود تقرير طبى يفيد أن الحالة الصحية للشخص المعاق تسمح بالزواج.
2 - الزواج لا يمثل خطورة على صحة الأم فى حالة لو كانت معاقة وأن لديها القدرة على التعامل وتحمل مسؤولية تربية طفل والحفاظ على حياته وعدم تعريضه للخطر.
3 - عدم تعرض الطفل للخطر من ناحية الوراثة «ولادته طفل معاق ذهنيا».
تعتبر مشكلة دمج الطفل المعاق ذهنيا أحد المشاكل التى يواجهها الآباء والأمهات، وتمثل مشكلة الحق فى التعليم أحد أهم مشكلات الأطفال ذوى الإعاقة.
يوضح حسن يوسف، ناشط بحقوق الإعاقة، أنه لا يوجد اهتمام بتطوير المدارس الفكرية التى تعانى من قلة الإمكانيات التعليمة والفنية والمهارية والكوادر البشرية المتخصصة فى تأهيل وتنمية مهارات المعاق ذهنيا، فضلا عن عدم وجود مراكز تأهيل للمعاقين سوى ثلاث مراكز، ولا يوجد مراكز منتشرة فى الأقاليم لاستيعاب حالات الإعاقة التى تعانى أشد المعاناة فى القرى والنجوع بسبب النظرة الدونية للمعاق والجهل فى التعامل معه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة