هذه السطور فيها بكاء قاتل
أن تستيقظ على ورقة تحليل تؤكد إصابتك بسرطان.. ماذا ستفعل وقتها؟
قبل أن أخبرك بالتفاصيل لابد أن تعلم أنك بعد عام من تعايشك مع المرض ستصبح أكثر تفاؤلا وقوة، لا تسألنى كيف؟!، ولكن اسأل صديقتى التى هاتفتها منذ أيام وسمعت منها كلمات تختلف كثيرا عما سمعته منذ سنة تقريبا حتى تتأمل بنفسك ما كتبته عنها من قبل.
المشكلة أنها لم تعد تضحك، ولم تعد كلمات «خليل حاوى» تأتى معها بنتيجة، تقول الآن إنه انتحر يأسا وأسفا مع أنها منذ ثمانى سنوات كانت تقول العكس، كانت تقول إنه مات باختياره ليسجل اعتراضه بدمه على الاجتياح الإسرائيلى لبيروت، تقول إنها الآن تعلم وعن تجربة لماذا يحب اليائسون البائسون الموت؟.. لأنه يأتى بالراحة، يأتى بالصمت الذى لا يحتوى على أى تفكير.
عدت إلى سلم الكلية حيث تجلس وتتحدث عن جبران خليل جبران ورسائل الأمل التى يبعثها للعالم عبر كتابه «النبى»، من كانت تجرى بين الكتب والمكتبات والجمعيات الخيرية وبيتها وزوجها تجلس الآن على كرسيها الهزاز الذى تحبه، صامتة، معترضة، تنتظر أن يصل بها القطار إلى المحطة الأخيرة.. هل يفعل المرض ذلك بنا؟.
«محمد، أنا عندى سرطان، بس تعرف أنا مش خايفة، حاسة إنى بطلة فيلم أمريكى من اللى بحبهم هكسب التحدى مع المرض وهبقى قصة ممكن تتعمل فيلم عندنا.. هم ليه صحيح مش بيعملوا أفلام إنسانية عندنا؟ الدكتور قال لى إن بالعلاج هبقى كويسة، بس أنا خايفة على «خالد» مش هعرف أخليه أب زى ما هو عاوز، أنا قلت له يسيبنى، ولو بقيت كويسة يبقى يرجعلى تانى.. محمد إلا هو ممكن يرجع تانى؟» لم أعرف ما الذى جعلنى أتكلم معها بالأمس، كما أننى لم أعرف حتى الآن لماذا انقطعت عن زيارتها منذ زمن؟ ربما لأنها طلبت ذلك، أو ربما لأننا نخشى الوجع أكثر من اللازم.
جاء صوتها ضعيفا مثلما أصبح أملها فى الشفاء ضعيفا أيضا وقالت: «عارف السرطان طلع زى إسرائيل بالضبط لا نفع معاه أسلحة ولا حقن ولا جلسات مفاوضات علاجية، ولا بكاء ولا تنديد ولا شجب، ولا حتى حجارة، بينتشر وأنا خلاص مش عاوزة أقاوم، أنا تعبت ونفسى أمشى، مش قادرة أستحمل دمعة بابا المحبوسة ولا أنفاس الخوف اللى بتخرج من صدر أمى ولا أصواتكم المليانة شفقة».
أين هى الجمل المحفوظة خصيصا لتلك المناسبات؟.. لا أتعالم بتلك الأكليشيهات وهى تعرف ولذلك خصتنى بذكر ما لم تقله لأحد، فقلت لها: «إن رحلت ورايتك البيضاء مرفوعة فلن ترضى عن نفسك.. أنا حافظك تماما»!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة