إيمان رفعت المحجوب

ما زال المسلمون يدرسون القتل

الجمعة، 04 ديسمبر 2015 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبلغ آخر تعداد لسكان العالم سبعة مليارات نسمة يتبعون أكثر من عشرة آلاف ديانة مختلفة، ثمانمائة منها معروفون، 2 مليار و200 ألف منهم يتبعون الديانة المسيحية ومليار و600 ألف منهم يتبعون الديانة الإسلامية وما يقرب من 19 مليونا يتبعون الديانة اليهودية، وأتباع الديانة الهندوسية يزيدون قليلا على 900 مليون نسمة وأتباع البوذية ويزيدون قليلا عن 300 مليون و50 ألف نسمة، ومن لا يدينون بدين يبلغ تعدادهم نيف وثمانمائة مليون نسمة، يعتقد كلٌ من هؤلاء أنه على الحق والآخرين على الباطل وإلا لتحول عن دينه لآخر، ولكلٍ فيما يعتقد طبعاً منطقٌ وإلا لما اعتقده، وإذا كان من الغباء وضيق الأفق أن يسفه البعض اعتقاد الآخرين لأنه كما له منطق لهم منطق؛ له منطق ولهم منطق فيما يعتقدون فيه وله منطق ولهم منطق فيما لا يعتقدون فيه ؛ فإنه لمن الاجرام والبربرية التى لا تحتمل منطقاً أن يستحل البعض دماء المختلفين معهم فى الاعتقاد، وعار يصمون به دينهم الذى يتبعون ! تلك صراعات تخطاها العقل والضمير الانسانى فى الدنيا كلها وأصبح هذا الفكر هو آخر ما يمكن أن يغلف به أطماعه الاستعمارية بعد أن تخطى مرحلة الحروب الصليبية بألف سنة، تخيلوا لو لم يفعل العالم وظل أتباع كل دين يعتبرون أنه كافرٌ ضال من يتبع ديناً آخر وأن بقاءه فتنة لأنه يضل الناس عن سبيل الرشاد ولا سبيل الا قتله! لكان السبعة مليارات فى اقتتال الى يومنا هذا ! ولظللنا فى مذابح البروتستانت والارمن والهولوكوست وغيرها، ولسقط ملايين الضحايا فى كل يوم ولفنى العالم! تنكر العالم المتحضر لهذا الفكر، وليس من العقل ان يظل المسلمون عليه ! لان فى نظرى كان هذا فقه عصر مضى وقت الفتوحات بهدف خدمة اهداف التوسع وفرض السيطرة وهو نفس الفقه الذى ساد الغرب من الف سنة ونجده جليا فى الحروب الصليبية اى انها كانت ثقافة عصر اقل تحضرا من عصرنا، وفى حين تخطى الغرب هذه الثقافة واعتبرها عار اعتذر عنه، لا تزال هذه الثقافة باقية فى كتب المسلمين ولا يزالون يدرسونها فى مدارسنا، وفى الوقت الذى يشْدوا الشيوخ فى مساجد المحروسة بهذه الافكار المتطرفة المنحرفة عن العصر والحضارة لأولادنا ويرسخون فى عقل كل مسلم فكرة قتل المختلفين فى العقيدة ؛ على خلاف النص الإلهى وأقسم أنهم رسخوا لذلك فعلا فى العقل الباطن لكل مسلم دون أن يدرى؛ يلجأ الغرب للقوى الناعمة " Soft power " التى تخاطب العقل والوجدان وتعتمد على الإقناع والتى أثبتت قوة وعمق أثرها الفعلى!! ولا أحد ينكر أننا نجد عند كلٍ من المختلفين عنا فى العقيدة كثيرا مما نستحسن من الخصال وما هو حسن بالفعل وسأضرب لكم مثلا قريبا، منذ أيام فى بلاد العم سام ذهبت وأصحابى وكان يوم عيد الشكر " thanksgiving " وهو عيد يشكرون فيه الله على نجاحهم فى استئناف حياتهم على أرض جديدة ذات طبيعة مختلفة لاقوا فيها خطر المجاعة كتب لهم الله فيها النجاة مرتين مرة من رحلة الموت عبر المحيط من إنجلترا إلى الشواطئ الأمريكية هربا من الاضطهاد الدينى والمذابح التى تعرض لها البروتستانت ومرة من الجوع؛ ذهبنا لاحتساء القهوة، وقفنا فى طابور للسيارات وسجلنا طلبنا وحين ذهبنا لاستلامه ودفع الحساب فوجئنا أن من كانوا فى السيارة التى تسبقنا قد دفعوا لنا حساب القهوة كهدية احتفالا بعيدهم هذا، أسعدتنا جدا هذه الحركة كم هم لطفاء يحبون إدخال البهجة على نفوس الغير ممن يعرفون ولا يعرفون، لسنا اقل منهم حبا للناس ونحب أن نقابل إحسانا بإحسان وأن ندخل البهجة على غيرنا من البشر ففعلنا بالمثل مع السيارة التى خلفنا وأظنها هى الآخرى فعلت وتوالت الابتسامات والتحية والتهانى والامنيات بعيد سعيد، أبدينا جميعا إعجابنا حقا بهذا المجتمع اللطيف المسالم المتحاب الذى حول ذكرى مأساته بعد سنين لشكر ومحبة وسلام، هذا بصرف النظر طبعا عن رأينا فى حكمهم وحكامهم .

وفى نفس اليوم بعد عودتنا للمنزل أنا ومضيفى اللذين صحبانى لتناول القهوة فى الصباح وهما شباب مقربان فى العائلة مهندس اتصالات مثقف متفتح ومستنير خريج مدرسة فرنسية شهيرة يعيش وزوجه الطبيبة الصديقة المحببة الى قلبى المصرية الاصل والتربية عالية الثقافة الامريكية المولد واللذين اعتز بهما واقدرهما كثيرا وهما ينتميان للطبقة المتوسطة العليا المعروف فيها التوسط فى كل شىء؛ تطرق بنا الحديث إلى فرج فودة ذلك المفكر المستنير - رحمه الله - وكيف تسبب الشيوخ فى قتله وخسارة العالم الإسلامى الفادحة لمفكر كهذا، ليفاجئوننى بأن معلومات الشباب المسلم التى يستقيها فى تعليمه الدينى أن الإسلام أمر بقتل من " نحكم " أنه " مرتد " ودليلهم على ذلك حروب الردة ! ورغم أنى فى الحقيقة لا أدرى كيف لنا ان نحكم نحن البشر على ضمائر الناس وما وقر فى قلوبهم !! وإيمانى بأن هذا لا يجوز من الأساس؛ فليس لنا ذلك فهذا أمر لله وحده وهو الذى يحكم فيه ويحاسب عليه؛ أكملت النقاش لأثبت لهما أن ما سمى تاريخيا بحروب الردة هى فى الأصل حروب الزكاة وكان هدفها حماية كيان الدولة الوليدة وليست حرب دين واستدللت على كلامى بقول أبى بكر "والله لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونه للنبى لقاتلتهم عليه" وأن خير دليل على أنها كذلك رفض عمر بن الخطاب قرار الحرب فى البداية ثم نزوله على أمر القائد فى آخر الأمر حفاظا على كيان الدولة، ومن هنا ندرك أن قرار عمر كان قرارا سياسيا بحتا كما كان قرار القائد للحرب قرارا سياسيا بحتا، لأنه لو كان أمرا عقائديا دينيا ما اختلفا عليه وهما من هما من الصحابة، وأضفت أننا لا نعرف عن الرسول ( ص ) انه قتل على حياته مرتدا ابدا وكانا اثنين الاول عبد الله بن ابى سرح الذى احل دمه لنفاقه وكذبه على الوحى وكان من كتبته وتلك جريمة خيانة عظمى، وكان ابن أبى سرح أخا لعثمان من الرضاع ووليه حكم مصر بعد ذلك، وآخر لا نعرف اسمه تنصر بعد إسلامه ولم يحل الرسول (ص) دمه أبدا وترك وذهب إلى حال سبيله لا يذكره التاريخ، لا أدرى لماذا لا ندرس هذا الكلام من التاريخ ونحرص على تدريس عكسه على هشاشة منطقه؟ ونرسخ فى عقل كل مسلم أن من ترك صلاة حللنا دمه وكأننا بذلك نخدم الإسلام! وكأننا نكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ! ثم نتباكى على ما نصنع من دواعش ! ونحن نعلم أن "من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " .

أردت أن أقص عليكم حديثين لذات الأشخاص فى ذات الساعة لتدركوا كم التناقض الذى تتنازعه نفس المسلم مما تحب وتستحسن من صنيع الغير وما زرع فيها من بغضاء له، لو لم تجد لنفسه سبيلا فأنه لا يقوى على عزلها من عقله الباطن كحقائق راسخة وان خالفت طبيعته والبيئة التى تربى وعاش فيها وألفها وهذا هو مكمن الخطر ولذلك رأيت انه واجب علينا ان نقرع ناقوس الإنذار .
* أستاذ بطب قصر العينى








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة