توقفت عند كلمات سِير "إسحاق نيوتُن" التى يقول فيها: "نحن نبنى كثيرًا من الجُدران، ولٰكننا لا نبنى ما يكفى من الجُسور"؛ ومع تلك العبارة تذكرت إحدى القِصص التى تحمل دلالة عميقة فى معنى الحياة. كانت القصة عن أخوين متحابين يعيشان على ضِفتى نهر. وذات يوم دب بينهما خلاف شديد، فصارت عَلاقتهما مهددة بالمقاطعة والانتهاء. وأخذ كل منهما يُعد عُدته لبناء جدار أعلى من جدار الآخر حتى يتحاشى أحدهما لقاء الآخر أو مجرد رؤيته! وحدث أن طرق باب أحدهما عابرُ طريق يطلب عملا، فاستأجره ذٰلك الأخ فى مزرعته. وذات يوم، طلب من أجيره هٰذا أن يُكمل له بناء الجدار بحيث يكون أعلى من ذاك الذى يبنيه الشقيق الآخر، وسافر فى رحلة عمل. وعندما عاد، وجد العامل قد بنى جسرًا رائعـًا يربطه بأخيه! وبينما هو يلوم الرجل على فِعلته هٰذه، إذ يُسرع أخوه إليه محتضنـًا إياه على محبته التى لا يستحقها!! فهو الذى يبنى جدارًا يفصل بينهما، وها هو أخوه يبنى جسرًا ليرتبط به! وإذا بخلافات السنين قد تلاشت، ويعود الشقيقان إلى محبتهما الأولى!! وفى أثناء ما كان الرجل الغريب يستعد للرحيل، طلب منه الأخوان أن يبقى معهما، ولٰكنه أجابهما بأن عليه أن يبنى جسورًا أخرى فى الحياة.
نعم، قد يسير بعض الناس فى طريق الحياة، وهم يبنون لا يَهدِمون، إلا أن أبنيتهم قد تعمِّق فى دواخلهم الوَحدة والوَحشة وتُبعدهم عن السعادة! فليس كل بناء هو للخير. لذا، على كل إنسان أن يجلس ليقيِّم أعماله فى الحياة ليُدرِك أكان يسلك فى طريق الخير، أم يبنى ما يَهدِم حياته وعَلاقاته بالآخرين.
ومن الجدران التى قد يبنيها الإنسان، تلك التى يضعها ويعمِّقها بينه وبين الله ـ تبارك اسمه ـ فيبتعد عنه ويحيا فى عزلة، منزويـًا عن سر الحياة والعمق والسلام والسعادة التى يجدها فى اقترابه وعشرته معه. وأحد هٰذه الجُدران تلك الفكرة التى يحاول الإنسان غرسها بأن الحياة تِبَعـًا لوصايا الله هى صعبة، وأنها تحرمه الملذات التى تُسعده؛ فيسعى بكل همة فى الابتعاد عنه، وهو لا يدرى أنه يبتعد عن الراحة والسلام! وهناك من يعتقد أن الله لا يهتم بأمر البشر تاركـًا إياهم للموت والدمار!! ولا يدرى أن الإنسان إنما هو من يختار ويعمل من أجل دمار نفسه والعالم من حوله، وأن كل بشرى سوف يُعطِى حسابـًا عن أعماله. وهناك من قرر أنه لا يوجد إله عظيم محب للبشر، أو قرر أن يظل بعيدًا عنه فأخذ يبنى جدارًا فى أفكاره نحو الله، وعاش فى بؤس عظيم!
تريث أيها الإنسان، وانظر تلك الجدران التى بنيتَها بينك وبين الله ـ تبارك اسمه ـ لتهدمْها وتبنِ بدلاً منها جسورًا تقترب بك إليه، فتختبر محبته الفائقة وعنايته الشديدة التى تستظل بها من شمس هٰذا العالم المُحرِقة.
ومن الجدران التى قد يبنيها الإنسان تلك التى يقيمها بينه وبين نفسه و... وللحديث بقية.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة