وكأن الاقتصاد المصرى ينقصه دفع التعويضات لإسرائيل وغيرها فى قضايا التحكيم التجارى الدولى.
خسارة جديدة تتحملها الشركات والهيئات المصرية بعد إلزام هيئة التحكيم الدولية مصر بدفع مليار و76 مليون دولار، بسبب توقف ضخ الغاز إلى تل أبيب بعد 25 يناير 2011.
الخسارة ليست الأولى للأسف، ولا نعرف من يتحمل مسؤوليتها. هل بسبب عدم المعرفة بهذه النوعية من القضايا فى مصر؟ أم لعدم وجود خبراء ومتخصصين مصريين يستطيعون التعامل بخبرة وحرفية مع مثل هذا النوع من القضايا؟ أم لجهل بكتابة العقود وشروطها مع المستثمرين، سواء أفراد أو شركات محلية أو عربية أو أجنبية دون المعرفة الكافية بالقواعد والقوانين التى تحدد إجراءات وطرق التحكيم الدولى عند حدوث أية منازعات تجارية أو استثمارية مع الطرف الآخر؟ أم للاعتماد على مكاتب محاماة دولية كل همها أن تتقاضى ملايين الدولارات؟ ولماذا الاعتماد أصلا على هذه المكاتب، وهناك، كما عرفت لجنة مصرية لغرفة التجارة الدولية أنشئت بقرار جمهورى رقم 136 لسنة 1974 بهدف تمثيل الكيانات الاقتصادية المصرية فى الغرفة الدولية؟
سبق وأن خسرت مصر عدة قضايا فى التحكيم الدولى كبدت الدولة ملايين الدولارات، وأشهر تلك القضايا قضية «سياج» للاستثمارات السياحية حول أرض طابا، حيث قامت الشركة ببيعها لمستثمرين إسرائيليين ليتم اللجوء إلى مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى فى واشنطن، ويصدر حكم بتغريم مصر 300 مليون دولار، وبعده صدر حكم مركز التحكيم الدولى فى «مدريد» بتغريم مصر 530 ملايين دولار فى قضية وزارة الطيران المدنى وهيئة بريطانية حول مطار «رأس سدر»، وما حدث بقضية الهرم أو جنوب الباسفيك بين وزارة السياحة وشركة بريطانية حول هضبة الهرم، بعد قيام الجانب المصرى بفسخ العقد المبرم، ليصدر حكم تحكيم ضد مصر بقيمة 36 مليون دولار، وبعد تسوية الأمر تم دفع حوالى 19 مليونا، وأخيرا قضية شركة الكهرباء الإسرائيلية، وغاز شرق المتوسط وبعض الشركاء المساهمين فيها، وهم حسين سالم رجل الأعمال «الهارب» ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة إمبال الإسرائيلية - الأميركية، وشركة بى بى تى التايلندية.
أخطر ما فى هذه القضية الأخيرة أنها قد تؤدى إلى الحجز على طائرات مصر للطيران فى حال هبوطها فى المطارات الخارجية، بل قد تؤدى إلى الحجز أيضاً على أملاك وأموال الحكومة المصرية فى العالم عدا السفارات، إذا لم تسدد الحكومة تسديد هذه المبالغ.
فهل يعلم المسؤولون فى مصر بخطورة الأمر؟!
بالتالى علينا التحرك سريعا وبجدية للطعن، ثم الاهتمام بالقضايا الأخرى التى تواجه مصر فى مراكز وهيئات التحكيم الدولى العالمية، فمصر تواجه حاليا 37 قضية تحكيم، تقدر قيمة التعويضات المطلوبة منها بنحو 100 مليار جنيه، رغم ما تقوم وقامت به هيئة قضايا الدولة من جهد فى حسم 8 قضايا تحكيم تجارى واستثمارى لصالح مصر، مما جنب البلاد تعويضات قيمتها 10 مليارات جنيه.
الموضوع برمته يكشف وجود ثغرات قانونية وإهمال وعشوائية فى حل المنازعات الاستثمارية قبل أن تصل للتحكيم الدولى الذى بالطبع يؤثر على سمعة الاستثمار فى مصر وعلى الاقتصاد المصرى الضعيف، ويكشف أيضا أن مكاتب «السبوبة» الدولية والمحلية استغلت الوضع وربحت ملايين الدولارات فى مقابل خسارة مصر مليارات الدولارات..! القضية تستدعى الانتباه من الآن لما هو قادم بالتحرك على كل المستويات بحل مشاكل الاستثمار والمستثمرين، وتفعيل دور المحاكم الاقتصادية والتجارية، وإقرار التحكيم ضمن قانون الاستثمار ولائحته وبوضوح كوسيلة لحل المنازعات، من أجل الحفاظ على أموال الدولة، وإعداد الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع هذا النوع من القضايا، وسد العجز فى الكفاءات القانونية.