الهجوم على سفر المقرئين يدخلنا فى معارك وهمية
سافر المقرئان محمد يحيى الشرقاوى، ومحمد الشحات إلى إيران، وقرءا القرآن هناك، واحتفت بهما وسائل الإعلام الإيرانية، غير أن ما يسمى بائتلاف «خير أمة» السلفى لم يعجبه ما حدث، فطالب مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ونقابة القراء بالتحقيق معهما.
الخبر على هذا النحو والمنشور فى الزميلة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس الأول، يزيد من الجراح فى قضية العلاقة بين السنة والشيعة، فبالرغم من كل الخسائر التى يتكبدها الطرفان، إلا أن هناك من يصر على تأجيجها، فيؤسس كيانات تنصب نفسها كحامية للإسلام، وباسم هذا الوهم تنفخ فى النار حتى تزيدها اشتعالا.
لا أعرف ما هو الخطأ الذى ارتكبه المقرئان، «الشرقاوى» و«الجندى» بسفرهما إلى إيران، فالشيخان ذهبا لقراءة القرآن الكريم، وبدلا من أن نرى فى هذا الأمر تكريما وتقديرا للمدرسة المصرية الرائدة فى تلاوة القرآن الكريم برموزها العظام، محمد رفعت، مصطفى إسماعيل، محمود الحصرى، عبدالباسط عبدالصمد، محمد صديق المنشاوى، أبوالعينين شعيشع، محمود البنا، طه الفشنى، وغيرهم، وجدنا من ينظر إلى الموضوع بسطحية تتمثل فى كونها «استسلاما للشيعة»، وأن «وسائل الإعلام الإيرانية روجت لإقدام مشايخ السنة والأزهر على الزيارة»، وإذا كان هذا الترويج قد حدث، فما العيب فيه؟ ولماذا لا نعتبره خطوة فى اتجاه التقريب بدلا من التفريق؟ ولماذا لا نراه تعبيرا وتقديرا من الغير بقيمة الأزهر العظيمة فى العالم الإسلامى؟
ينتمى الهجوم على سفر المقرئين إلى عبث الكلام الذى يستهدف إدخالنا إلى معارك وهمية تزكى العنف والفرقة، وتقدم الخدمات الجليلة لكل من يتربص بالمنطقة ؟، وهنا يأتى السؤال، ما الذى قدمه هؤلاء إلى المسلمين ليعنيهم على التقدم والتطور، بدلا من معاركهم التى تجعلنا أضحوكة بين الأمم؟.
مضى علينا زمن قريب حكمتنا فيه جماعة الإخوان، ومعها قويت شوكة السلفيين، فكان خطاب تقسيم المسلمين بين سنة وشيعة يتصاعد بإفراط، وصل إلى حد أن محمد مرسى الذى أصبح رئيسا للجمهورية فى غفلة من الزمن، قال فى وعد للسفليين للحصول على أصواتهم إن «الشيعة أخطر على المسلمين من اليهود»، وكان هذا دالا على الطريق المستقيم الذى يصل بنا إلى «داعش» والجماعات التكفيرية الأخرى.
بالطبع من المفيد التذكير بمحطات تاريخية لمحاولات عظيمة قام بها شيوخ عظام، من أجل التقريب بين الشيعة والسنة، ورائد هذا الاتجاه هو الشيخ محمود شلتوت الذى شغل منصب شيخ الأزهر يوم 13 أكتوبر 1958، فهو الذى أفتى بجواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية، وقال نصا فى مجلة «رسالة الإسلام» الصادرة عن «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة»: «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية «الاثنا عشرية» مذهب يجوز التعبد به شرعا، كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة».
هذا هو الشيخ شلتوت، الرمز الإسلامى الحقيقى الذى يبحث عما يعين المسلمين على تقدمهم، وهذا هو الأزهر الحقيقى المستنير الذى نريده، بدلا من هؤلاء الذين أغرقونا فى التخلف والجهل بجوهر الإسلام، فهيئوا الملعب لكل من هب ودب ليصدر فتاوى تحرم ما أحله الله،فى المحطات التاريخية الأخرى المضيئة فى قراءة مقرئينا العظام للقرآن الكريم فى إيران، يتذكر الشيخ أبوالعينين شعيشع نقيب المقرئين الراحل فى حوار له مع صحيفة الشرق الأوسط يوم 22 يوليو 2006: «وجدت فى إيران شابا يقلدنى، وعندما استمعت إليه اعتقدت أننى أقرأ وأنا فى سنه، ولم أجد فرقا بين صوته وصوتى فى تلك السن، وإيران فيها قراء مستواهم جيد، لأن الإيرانيين يستمعون إلى القرآن بطريقة جيدة، ولأنهم يفهمون المقامات الموسيقية، وهذه المقامات ظهرت فى بلادهم فى الأصل».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة