قال عم رجب سائق السيارة التى تقلنى إلى عملى صباحا «أنا لا أفهم فى السياسة، ولا أستطيع أن أردد الكلام الكبير المجعلص اللى انتوا بتكتبوه، وترددوه فى الفضائيات، ولكن اسمعها من العبدلله كلمة، وافتكرنى لما تحصل»، وأضاف عم رجب وهو يضغط على مخارج الكلمات: مبارك براءة، وكل رجالته براءة، وخد دى كمان «عز براءة، وحيدخل البرلمان من تانى». وكل القضايا المتهمين فيها جميعا «فشنك» لأنها مبنية على باطل وكل الظباط اللى قالوا إنهم قتلة الثوار، طلعوا براءة، لأنهم عملوا الواجب اللى يستحقوا عليه نياشين، وليس السجن أو الحبس، وإن اللى قلنا عليهم ثوار، لا طلعوا ثوار ولا يحزنون، ونصهم إما مأجور، شغال بالعداد، والأجرة بالدولار، وإما بلطجية، راحوا ينتقموا من الضباط اللى كانوا بيمنعوهم من الجرائم أو السرقة أو النهب، أو فرض الإتاوات، وبعد 30 يونيو، ظهر بلطجية جداد بدقون، بيقتلوا فى الشعب، وفى الجيش والشرطة، وعايزين يبقوا ثوار.
كان ذلك قبل أكثر من عام من الآن، وقبل أن تظهر فى الأفق أية ملامح، واكتفيت بابتسامة ساخرة فى نفسى، معتقدا أننى «أخدت عم رجب على قد فهمه»، ومرت الأيام، وصدقت رؤية عم رجب، وخرج مبارك وولداه، وأمس الأول تقدم محامى «عز» رسمياً لتدشين دخوله المعركة الانتخابية فى معقله الصناعى بمدينة السادات.
وفشلت أنا وكثيرون فى استقراء وتحليل مجريات الأمور فى مصر، بعد حدثين عظيمين فى زمن قياسى، الأول فى 25 يناير 2011، والثانى فى 30 يونيو 2013، الأول أطاح بنظام قوى راسخ، متأصل ومتجذر وتحميه دولة عميقة، والثانى أطاح بنظام أكثر شراسة، ورفض أن يترك مكانه الذى أقصى منه سريعاً إلا بالدم، ورغم هذين الحدثين، لاحظ تحفظى فى استخدام لفظ ثورة، ثورة إيه وعلى إيه إذا كان كل شىء كما كنت، لم تحدث ثورة فى الشعب الذى قام بالثورتين، إيه ثورة تأتى بنظام جديد، وتطيح بآخر، وتحكم، وتنفذ رؤيتها استجابة للمنطلقات الفكرية التى قامت من أجلها، ولكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن. كل شىء يعود إلى فترة 24 يناير 2011، كش ملك، كما كنت، ارجع بظهرك إلى الوراء، وإذا لم تصدقنى فطالع أسماء الذين يرشحون أنفسهم للبرلمان هذه الأيام فستجد نفس الأسماء ونفس الوجوه، الأمر لا يقتصر على عز، هناك عشرات، بل ربما آلاف الأسماء التى تبحث عن القوة وتحتمى بها، حزب وطنى، حرية وعدالة، لا يهم أن تكون بدقن او بغيره، المهم من يوصله إلى المقعد، ناهيك عن التركيبة القبلية التى يهمها بالدرجة الأولى ان يكون ممثلها تحت القبة.. وكلام تمكين الشباب والمرأة مجرد شعارات نرددها.
الخلاصة أننا فقدنا 4 سنوات من عمر هذه الدولة فى لا شىء، ليس هذا فقط، بل إن الحصيلة بالسالب، فلا الأحزاب قامت لها قومة، ولا المواطن تغير، ولا أجهزة الدولة نفسها تغيرت وإن كان هناك تغير فهو إلى الأسوأ، ولم نحصد من ثورتين إلا رئيسا تركناه يقاتل منفردا فى البرية نيابة عنا جميعا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة