الكتابة عن تغير سعر الدولار وقيمة الجنيه، تختلف من أسبوع لأسبوع، ومن ساعة إلى أخرى تتطلب تحليلا مختلفا، ورؤية متغيرة، لكن الكتابة عن سعر المواطن المصرى يكفى أن تفعلها مرة واحدة، لأن السعر ثابت، والقيمة لا تتغير، هو أرخص ما يمكن بيعه فى هذا الوطن.
الجثث كانت على الأسفلت والكرة كانت على الأرض تتقاذفها أقدام لاعبى الزمالك وإنبى، ومقدمو البرامج الرياضية من أنصاف المتعلمين مستمرون فى التحليل، ونجيب محفوظ قالها منذ زمن فى رواية أولاد حارتنا: «ولكن آفة حارتنا النسيان»، والآفة فى اللغة هى كل شىء وأى شىء يفسد ما يأتى بجواره، وهذا تقريبا ما يحدث فى مصر، وطن يمتلئ بالناس الجدعان الطيبين، ولكنهم «بينسوا»، أو إن شئنا الدقة يتعمدون التناسى طلبا للراحة، وتلك آفتهم التى تفسد «جدعنتهم».
فى مصر فقط يبكى المواطن وتنتفض عروق غضبه بعد أن يسمع خبر وفاة مجندين بعد حادث إرهابى أو موت مصريين غرقا فى عبارة، أو دهسا على طريق، أو حرقا داخل قطار، ومثل المواطن يفعل أهل الإعلام يزينون صفحاتهم وبرامجهم بشارات سوداء ويصرخون فى الدولة طلبا للتفسير والقصاص، ومثلهم يفعل السادة المسؤولون، يظهرون غاضبين مهددين كل مقصر بالحساب وكل متهم بالثأر.. وبعد ساعات من الحادث يهدأون جميعا ويعودون إلى سيرتهم الأولى رافعين شعار «دم المصرى رخيص».
فى مثل هذه الساعات التى نعيشها من أيام الثانى والثالث فى شهر فبراير، وقبل 9 سنوات من الآن غرق ألف مصرى فى حادث العبارة السلام، وتاهت الجثث بين الأمواج وأكلها السمك حتى شبع، انتفضت مصر وغضب الناس ودخلت القضية المحكمة لمدة 21 جلسة انتهت فى 15 دقيقة خلال جلسة بتاريخ 27 يوليو سنة 2008 حكم القاضى فيها ببراءة المتهمين جميعا، وذهبت الأرواح دون حساب أحد ودون أن يفهم مواطن مصرى ماذا حدث للعبارة وكيف غرقت.
نفس الأمر تكرر فى شهر فبراير ولكن قبل 4 سنوات من الآن، اقتحم أنصار مبارك ميدان التحرير فيما عرف بموقعة الجمل وقتل يومها أكثر من 18 مصريا، وأصيب حوالى 1200 مصاب، وضاع حق الشهداء، ولم يحاسب أحد، لا من المتهمين ولا من المقصرين.
فى نفس هذه الساعات من شهر فبراير ولكن قبل 3 سنوات، اشتعلت نفوس المصريين غضبا وامتلأت عيونهم دموعا وضجت قلوبهم من القهر والفزع بسبب مذبحة بورسعيد التى راح ضحيتها 74 من مشجعى النادى الأهلى، ووعدت الدولة بالقصاص والثأر وأعلن الإعلام انتفاضته لحين عودة حقوق الشهداء، ثم دارت القضية فى أروقة المحاكم ولم يصدر قرار بشأنها حتى الآن، حتى بات واضحا لدى البعض أنها ستذهب مثلما ذهب أسلافها إلى حيث توجد خزائن النسيان.
النسيان الآفة المصرية الأصيلة تحول «دم المصرى رخيص» من هتاف يستخدم فى المظاهرات إلى واقع يعيشه الناس، لأن من ينسى حق ضحايا الأمس، سينسى بكل تأكيد حق ضحايا اليوم، وسينسى دون شك حق ضحايا المستقبل، ليصبح إجمالى المزروع فى الوجدان المصرى معنى يقول بأننا سنظل هكذا نعيش بلا أمل فى وطن يخبرنا كل صباح أننا بلا ثمن، أو ثمننا بخس جدا إن قرر أحدهم ضرورة وجود تسعيرة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
البوب هاربا
صرف التعويض يعادل سعر غسالة نصف أتوماتيك
وكأن ثورة لم تقم أيها البوب النمساوى ..
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
الاتراس
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدين
أفة حارتنا النسيان ايها المواطن العبيط
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف المصرى
وانت رخيص ولا غالى
عدد الردود 0
بواسطة:
المستشار عبدلله محمدين
أنت زى ما أنت ...لن تتغير ...كالعادة بتلف و تدور حولين نفسك ضد الأنضباط و مع الفوضى
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور رمزى ويصا
تقصد المواطن الفوضوى البلطجى الذى يريد دخول الأستاد بدون تذاكر و يتحدى الدولة !!
عدد الردود 0
بواسطة:
وحيد نوح
اللعب علي مشاعر المصريين
عدد الردود 0
بواسطة:
الأستاذ نبوى محمدين المحامى
زعماء الألتراس المقبوض عليهم أعترفوا بتلقى أموال من الأخوان لخلق مواجهه مع الشرطة