خطوط منثورة عشوائيًا على لوحة "بيضاء الوجه"، لملامح وقسمات أجساد نسائية تلاقى فيها اللونان الأحمر والبنفسجى فى تناغم لا تخطئه العين، وذلك رغم غياب المغزى من وراء تركهن هكذا بلا قصة تجمعهن، هذا أول ما تراه عيناك عند وقوفك متأملا اللوحة الأخيرة للفنان حامد ندا.
ما إن تقترب من هذه اللوحة، وتصبح فى حضرة أضواء قاعة "إبداع" الكثيفة، والتى استضافت بعض اسكيتشات وبورتريهات الفنان حامد ندا فى معرضه الاستيعادى، أول أمس، حتى يستفزك سؤال "ماذا لو كان واحد فقط من هذه الكشافات حاضرا وقت خروج "ندا" من مرسمه بوكالة الغورى، بعد انقطاع الكهرباء عنه؟ فلقد اصطدمت رأسه بأحد الجدران حينها ووقع من على سلم مرسمه لتكتب هذه اللوحة نهايته.
ويعرف الفنان الراحل على أنه أحد رواد "السريالية الشعبية"، حيث تمكن من خلال تشبعه بالقصص والأساطير المصرية القديمة التى تلازم وجودها مع حياته فى حى القلعة الشعبى، الذى ولد فيه ورأى الحياة من خلاله، من نقل خياله الثرى بها إلى لوحاته فكان من أعظم من رأى مصر وشخصها فى لوحات فنية.
خسمون عاما، جمعت حامد ندا بمرسمه الذى نقل إليه القهوة الشعبية والدراويش و"حديث المحبين" فى لوحات تعد الأشهر بين كل ما قدم.
رسم حامد ندا كذلك "أمونة" و"التوأمتان" و"حسن ونعيمة" و"أيوب المصرى" وهى شخصيات استوحاها من القصص الشعبية المصرية، كما رسم "العصافير" و"القبقاب" و"امرأة وقط" والعديد من اللوحات التى تحمل بصمته المميزة على جسد مصر التى رآها.
لم يعتمد حامد ندا "المباشرة" دائما فى أعماله، حيث لجأ أحيانا إلى رسم الإنسان فى صورة حيوان فى لوحات اتسمت بالغرابة حتى فى اختيار الألوان، وربما عبرت عن سخرية أو سخط ما من واقع غير مألوف بالنسبة له.
وتقابل أعمال الفنان الراحل بتقدير كبير فى العالم، أدبيا وماديا حيث تباع لوحاته فى المزادات العالمية بأعلى الأسعار، فعلى سبيل المثال طرح موقع سوزبى للمزادات الفنية إحدى لوحات حامد ندا بـ25.000 لـ 30.000 دولار أمريكى، فيما تم بيعها بـ 40.625 دولار ويصل سعر بعض لوحاته إلى ما يزيد عن 275000 دولار أمريكى.
يموت الناس ويرث ذووهم ما تركوا من أموال وعقارات وسير طيبة، ومات حامد ندا تاركا وراءه رسالة لا يعجز أى فنان عن فك شفراتها، "إن عشت فعش لفنك وإن مت فليكن موتك به أو له لا عليه".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة