لضمان تقدم مصر الاقتصادى والصناعى ولتلبية احتياجات استهلاك السكان لابد أن يتضاعف إنتاج الكهرباء من القيمة الحاليـة التى هى تقريباً 27 ألف ميجاوات، إلى 50 - 75 ألف ميجاوات خلال السنوات العشر المقبلة، وبتخطيط دقيق شامل لكل سبل توليد الكهرباء من الطاقة النووية والطاقة الشمسية والرياح والوقود الكربونى مثل الغاز والبترول، غير أن التحدى الأكبر يبقى فى كيفية توليد هذه الطاقة من مواردها الرئيسية، ومع كثرة الحديث عن الطاقة النووية وطاقة الشمس والرياح، أقدم رؤيتى حولها، وأناقش استخدامات الغاز الطبيعى والفحم وأشرح المميزات والعيوب والتحديات والمتطلبات.
وعن الطاقة النووية أقدم رؤيتى بحكم عملى فى مجالها منذ ما يقارب من 25 عاماً، شاملة أبحاثا كثيرة شملت العديد من تصميمات المفاعلات النووية والتجارب المعملية الكبيرة وبرامج الحواسب رباعية الأبعاد وأمان المفاعلات النووية الأمريكية بكل أنواعها مع فريق عمل كبير من المهندسين والعلماء.
وفى رأيى أن الطاقة النووية يجب أن تكون عنصرا أساسيا فى توليد الكهرباء فى مصر لأسباب، أهمها أنها لا تلوث البيئة، والعمر الافتراضى للمفاعل النووى يزيد على 60 عاما، مما يضمن توليد طاقة كبيرة بكفاءة عالية لفترة طويلة، فالمفاعل النووى الواحد قد تصل سعته إلى 1500 ميجاوات وهو أكبر بكثير من محطات الوقود الكربونية، وتخلق الطاقة النووية عمالة كبيرة بتأهيل عال فى العديد من المجالات الصناعية المتعلقة بها، وهذا يساعد قطاعات الصناعة الأخرى كما حدث فى أمريكا والدول المتقدمة، ودخول مصر الآن فيها يستفيد من استخدام التطور الحديث فى المفاعلات النووية الجديدة من الجيل الثالث ذات الأمان الذاتى، والسعة الكبيرة، وهذه قفزة تكنولوجية فى صالح مصر مع العلم أن معظم المفاعلات النووية فى العالم هى من الجيلين الأول والثانى.
وأمام هذه الضرورات أؤكد أن الطاقة النووية من أهم الاختيارات لمصر، وأن الخطة القومية لتوليد الكهرباء يجب أن تشمل 15-20 % من الكهرباء المولدة عن طريق الطاقة النووية، وهذا يعنى إذا كنا نحتاج فى السنوات المقبلة من 50-75 ألف ميجاوات فإن الخطة القومية يجب أن تشمل إنشاء 8 مفاعل نووية موزعة على محطتين أو أربع، كل محطة بها 2 إلى 4 مفاعل نووية بطاقة 1300-1400 ميجاوات لكل مفاعل وطاقة كلية تزيد على 10 آلاف ميجاوات باستخدام مفاعلات الجيل الثالث من نوع الماء المضغوط ذى الضغط العالى، وهذا سوف يتطلب ما يقارب من 40 بليون دولار لتحقيق هذا الغرض ويمثل أكبر كفاءة لتوليد الطاقة الكهربائية مقارنة بالسبل الأخرى. استخدام الطاقة النووية له شروط صعبة وأهمية خاصة ومطالب أساسية لابد أن تؤخذ فى الاعتبار. فعلى مصر أن تأخذ الآتى فى الاعتبار وتبذل الجهد فى تنفيذه لأن طرح مناقصة لبناء المحطة ليست هى القضية الرئيسية:
يجب أن تكون الخطة القومية شاملة القدرة على التوسع وزيادة عدد المفاعلات النووية قبل طرح أى مناقصة عالمية لتحاشى التخبط فى التوسع فى منطقة الضبعة لضمان الاستغلال الكامل الجيد للمنطقة، بمعنى أنه يجب دراسة كم مفاعل سنحتاجه، وإذا بدأنا ببناء مفاعل واحد فمن الضرورى أن نعمل حساب احتياجنا لبناء مفاعل ثان وثالث بعد ذلك فى نفس المنطقة، حتى لا نكتشف فيما بعد أنه مطلوب البحث عن مكان آخر، وهذا النوع من التخطيط الأولى سوف يوفر فى التكاليف المستقبلية بدرجة عالية جداً.
لابد أن تحدد الدولة خطتها فى التعامل مع الوقود النووى المشع، شاملاً الاستيراد والنقل وطرق التخزين، وكيفية حفظ أو التخلص من الوقود المستهلك إما عن طريق إعادة تصديره، معالجته أو حفظه، وتغليف ونقل وتخزين الوقود يحتاج إلى طرق دقيقة وخاصة لتحاشى أى تسرب إشعاعى وتلافى الحوادث، وهناك خبرات فى هذا المجال ونحن نعرف الحوادث التى حدثت وهناك العديد من حوادث التعامل مع الوقود النووى فى اليابان وأماكن أخرى، فالتعامل مع الوقود يعتبر من الأركان الرئيسية لاستخدام الطاقة النووية.
عند اختيار الفريق المنافس لإنشاء أول محطة لابد من أخذ فى الاعتبار الخبرة السابقة والقدرة الفنية وضمان نقل الخبرة إلى مصر والتدريب المكثف ومشاركة العمالة المصرية المؤهلة فى البناء والابتعاد عن اختيار أرخص الأسعار، وتلك مسألة يجب الحذر منها بقوة، فالخبرة والتكنولوجيا أهم كثيرا من السعر فى مجال الطاقة النووية.
عند تقييم العروض المتقدمة من قبل المنافسين وكتابة العقود الناتجة بعد اختيار الفائز، لابد من الاستعانة بالخبراء فى المجال الفنى والتعاقدى على أعلى مستوى لضمان تحقيق كل المطالب وحماية مصلحة الدولة والابتعاد عن المنازعات التعاقدية والتنفيذية، وضمان عدم التأخير فى الإنشاء وزيادة التكاليف، وإذا استخدمت شركة استشارية لابد أن تكون لها خبرة كبيرة سابقة فى النواحى الفنية والمالية والتعاقدية، ويحضرنى فى هذا الأمر أنه فى كثير من الأحوال يتم التأخر فى تنفيذ المشروعات فى موعدها المحدد طبقا للعقود المبرمة مسبقا، وبالطبع فإن هذا قد يرتب أعباء اقتصادية إضافية، وبالتالى فإنه من المطلوب أن تتم كتابة العقود بحرفية ودقة متناهية، وهناك متخصصون فى ذلك، فمشروع قومى بهذا الحجم دون الاستعانة بالخبرة السليمة بما تعرفه عن المتطلبات الفنية سيحملنا خسائر فى المستقبل.
تبقى المشكلة الرئيسية التى تواجه استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وهى تكاليف إنشاء المحطات النووية وكيفية الحصول على التمويل الكافى، فالمحطة النووية ذات المفاعل النووى الواحد قد تتكلف ما يقارب من 10 مليارات دولار فى الولايات المتحدة، وفرنسا تحاول توحيد تصميم المحطات حتى يمكنها تخفيض تكاليف الإنشاء إلى حوالى 6 مليارات دولار، أما الصين وفى خطتها القومية قررت استخدام تصميم موحد من قبل شركة «وستنجهاوس» الأمريكية خاص للصين وتوحيد التصميم وامتلاكها الفردى لهذا التصميم، وزيادة قدرة المفاعل إلى 1700 ألف ميجاوات من التصميم الحالى 1300 ميجاوات، وروسيا تتجه إلى تشجيع الاستثمار فى بناء المحطات النووية بالسماح للبناء والتمليك والتشغيل مع ضمان الحكومة سعر كهرباء مناسب لفترة طويلة من الزمن، هذا لجذب الاستثمارت فى مجال الطاقة النووية.
اما فى مصر ومن خلال وضعها الاقتصادى الحالى سوف تواجه سؤالا صعبا حول كيفية تمويل بناء محطات نووية، وفى رأيى أن مفاعلا أو اثنين لا يكفيان الخطة القومية للبلاد للاكتفاء بمطالب الكهرباء، مع العلم أن فترة الإنشاء للمفاعل الأول سوف تزيد على 5 أعوام، وإذا كانت الحكومة قد قررت البناء فعليها مواجهة مشكلة التمويل.
وعلى الرغم من أن تكاليف إنشاء المحطات النووية عالية، فإنه وبحسابات اقتصادية دقيقة سنجد أنها رخيصة فى التشغيل والصيانة لأن العمر الافتراضى للمحطة يزيد على 60 عاما وحجم الطاقة المولدة كبير بكفاءة عالية، وهذا يجعلها منافسة لسعر الكيلووات ساعة لمحطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم، على الرغم من ارتفاع تكاليف الإنشاء، إضافة إلى أن الطاقة النووية لا تلوث البيئة ولا تسبب الاحتباس الحرارى، وحاصل جميع هذه الأشياء التى تحدثنا عنها يرجح استخدام الطاقة النووية أفضل من غيرها، ويتبقى بعد ذلك الحديث عن توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية، وهذا له حديث آخر حتى تكتمل عندنا التصورات الصحيحة للموارد والفرص المتاحة أمامنا فى توليد الطاقة.
د. طلال عبد المنعم واصل يكتب: اقتراحاتى لتوفير الطاقة لمصر.. الطاقة النووية هى أكثر الوسائل الآمنة.. ونحتاج فعلياً إلى 8 مفاعلات.. لا تلوث البيئة والعمر الافتراضى للمفاعل النووى يزيد على 60 عاما
الأربعاء، 11 فبراير 2015 03:22 ص
د. طلال عبد المنعم واصل
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة