مازلت أذكر تصريحات الدكتور جابر عصفور حينما تولى وزارة الثقافة للمرة الثانية فى حكومة المهندس إبراهيم محلب، والتى قال فيها إن مهمته أن يسلم الوزارة للشباب، وإنه سيعمل جاهدًا من أجل تمهيد الأرض للشباب فى الوزارة التى تعد رأس الحربة فى الحرب على الإرهاب، وإنه سيتعاون مع جميع الوزارات المعنية بالتواصل مع الشباب من أجل تقديم خدمة ثقافية تمكن المجتمع المصرى من النهوض، وتبث الروح فى «الوعى» الذى تم تغييبه بفعل فاعل، لكن ها هى الأشهر تمر، حتى اقترب الوزير من إتمام العام فى مهمته، وللأسف لم نر شبابًا فى المناصب القيادية بالوزارة كما وعد، ولم نر له أثرًا ولا فعلًا حقيقيًا يسهم فى تغيير الوعى، أو تمهيد الأرض.
إن سألت أحد أنصار الوزير عن إنجازاته سيعدد لك عدد البروتوكولات التى وقعها الوزير من أجل التعاون مع الوزارات الأخرى، وفى الحقيقة لم يبخل الوزير أبدًا بمداد قلمه، ولا بمصافحات يده فى لقاءات توقيع البروتوكولات المتعددة، لكن للأسف تظل هذه البروتوكولات حبيسة الأدراج، لا نرى لها انعكاسًا حقيقيًا على أرض الواقع، فلا نعرف هل يمهد الوزير الأرض للمستقبل، أم يكدس الأوراق لأدراج المكتب؟
هذه الأيام تعيش مصر فى ظل أكبر حدث ثقافى عربى هو «معرض القاهرة الدولى للكتاب» الذى كادت أيامه أن تمر دون أن نرى فعلًا حقيقيًا يثبت أن البروتوكولات التى وقعها الوزير لم تكن حبرًا على ورق، فلم نلحظ للوزارات التى وقعت بروتوكولات مع «الثقافة» وجودًا، ليحق لنا أن نسأل: إذا لم نر وجودًا لهذه الوزارات فى أكبر حدث ثقافى عربى فأين ومتى سنرى أثر البروتوكولات؟
لا تحتاج مصر الآن فى ظل حرب الإرهاب المستعرة إلى أن تزيد إلى أرفف مكاتبها ورقًا جديدًا، ولسنا بحاجة إلى تلك الزفات الإعلامية التى تقيمها الوزارة عقب توقيع كل بروتوكول، وكأنها بَنَت الأهرامات أو حفرت قناة السويس، كذلك لا تحتاج مصر إلى تلك الأخبار المتعددة عن اتفاقيات الوزير أو تفاهماته.. نحتاج إلى مشاريع حقيقية تكتشف الجمال فى حياة المصريين، وترسخ قيم الحوار وقبول الآخر.. نحتاج إلى مشروع ثقافى حقيقى يعيد إلى مصر شخصيتها المفقودة، وإلى المصريين قيمهم التى أوشكت على الانقراض.