وائل السمرى

تنظيم «الناصحين»

الخميس، 12 فبراير 2015 12:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لو سألتنى ما أخطر تنظيم إرهابى يهدد حياة المصريين، ويفتت الدولة المصرية بلا هوادة، فلن أقول لك إنه تنظيم داعش، أو تنظيم الإخوان المسلمين، وسأجيبك على الفور بأنه «تنظيم الناصحين»، ذلك التنظيم الذى تربى فى ظل معظم المصريين الآن، لا أستثنى أحدًا، بمن فى ذلك كاتب هذه السطور.

أنت تقف فى طابور العيش، أو طابور شباك تذاكر مترو الأنفاق، وبلا سابق إنذار ترى أحد الواقفين وقد ترك الطابور الممتد، وقطع عليك الطريق ومد يده إلى الشباك من أحد جانبيه، وظفر بالتذكرة أو العيش دون أن يكبد نفسه عناء الانتظار.

تسير فى الشارع بسيارتك متحملًا اختناقات المرور، ورداءة الطريق، وبلا سابق إنذار تجد أحدهم وقد سرق منك طريقك بحركة بهلوانية تعتمد على المهارة فى القيادة، والمباغتة فى التنفيذ، وإذا انتويت أن تسلك الحارة اليمنى لتسلك فى أحد الشوارع الجانبية، أو الحارة اليسرى لتتخذ أول «يوتيرن» فتجد منفذك مسدودًا لأن أحدهم قد قرر أن يقف فى أول الإشارة ليسبق الآخرين إذا ما فتحت، قاطعًا بذلك الطريق أمام أصحاب الحق الأول فى عبور «اليوتيرن».

تجتهد فى كليتك لتحصل على أعلى التقديرات، لتتمكن من أن تصبح معيدًا فى الكلية، وما أن تصعد درجاتك حتى توشك على الظفر بحلمك فتجد أحد «دكاترة» الكلية وقد قطع عليك طريقك، وزاد فى درجات ابنه ليسبقك فى التعيين، أو فصّل المواصفات المطلوبة على ابنه أو ابنته لتجد نفسك فى نهاية المطاف خارج الحسابات.

تدفع من أموالك ضريبة أو زكاة لتسهم فى الارتقاء ببلدك أو مجتمعك، ثم تفاجأ بأن أموالك ذهبت هباء، وتم صرفها كمكافآت لكبار المسؤولين، ثم تكتشف أن غيرك لم يدفع ضرائبه، لأنه «ظبط أوراقه» أو «ظبط» أحد الموظفين، وأن محصلى الزكاة أنفقوها على أنفسهم، واكتفوا من مصارف الزكاة بـ«العاملين عليها».

تحاول أن تحصل على منحة أو قرض من أحد الصناديق الاجتماعية، أو المنحة الدولية، لكنك تفاجأ بأن الوزير الفلانى، أو المسؤول الفلانى قد استحوذ على كامل قيمة القرض، أو المنحة لنفسه وشركاته.
كل ما ذكرته هنا واحد.. جرائم نرتكبها يوميًا دون أن نشعر بلحظة واحدة من وخز الضمير.. نعتبر أكل حق الغير «نصاحة»، كما نعتبر أن الانصياع إلى القانون «ضعف»، لذلك تتحول مصر إلى خرقة بالية يستعصى رتقها على الراقع، وتتمد تلك الظاهرة لتصبح مكونًا من مكونات الوجدان، ويصبح أكل الحق «حرفة» يتقنها المصريون على اختلاف مشاربهم، ويصبح الجميع لصوصًا يسرقون لصوصًا، ويتخذون من اللصوصية دستورًا وقانونًا، لنتحول جميعنا إلى إرهابيين بالفطرة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة