القاعدة الشائعة عن احتراف الشىء هو أن تعمل وتعمل، ثم تعمل له وفيه، وكلما عرفت أسرار الاحتراف كلما علا شأنك، وإن تعاملت معه بروح الهواية فلن تترك أثرًا.
على هذه القاعدة يرى البعض أن لاعب الزمالك عمر جابر أخطأ برفضه اللعب مباراة إنبى بعد مقتل 22 مشجعًا كانوا من المفترض أن يحضروا المباراة ليشجعوا ويتغنوا بمهارات جابر وزملائه، يقول هؤلاء: «جابر لا يفهم قواعد الاحتراف»، لكنهم لا يتحدثون عن أى نوع من الاحتراف موجود عندنا، هل هو الاحتراف الموجود فى بيئة سياسية تحترم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتطبيق القانون على الجميع؟
فى عالم احتراف كرة القدم، معروف أن المدير الفنى يستدعى أطباء نفسيين للاعبيه إذا لزم الأمر، وهذا اعتراف بأن اللاعب إنسان له مشاعر وأحاسيس تهزم صرامة قواعد الاحتراف أحيانًا، قرأت مرة أن البرتغالى «جوزيه» وجد- وقت أن كان مديرًا فنيًا لفريق الأهلى- حالة لاعبه محمد أبوتريكة ليست على ما يرام فناقشه، ثم أعطاه كتابًا عن حروب دارت فى الصين، وطلب منه ألا يفعل شيئًا غير قراءته، ليناقشه فيه، كانت مهارة القائد وكفاءته العسكرية والإنسانية أهم ما فى الكتاب، وهذا المعنى الإنسانى أولًا بالضبط هو الذى أراد «جوزيه» توصيله إلى نجم فريقه.
قبل لعب نهائيات كأس العالم عام 1978 فى الأرجنتين، فاجأ أسطورة كرة القدم الهولندية والعالمية يوهان كرويف إعلانه أنه لن يلعب النهائيات بعد أن قاد هولندا إلى الوصول إليها، كانت هولندا وقتئذ تدهش العالم بالكرة الشاملة التى اخترعتها فى نهائيات 1974، وحصلت على المركز الثانى بقيادة «كرويف» الذى لم يصدق أنه لن يكون إلا بطلًا للكأس، ورغم كل المناشدات لـ«كرويف» بالتراجع عن عدم مشاركته، والتى وصلت إلى حد استقبال ملكة هولندا له، لكنه صمم على موقفه، وخسرت هولندا الكأس أمام الأرجنتين، وفيما بعد تبين أن نظام الحكم فى الأرجنتين وضع خطة للفوز بالكأس بأى ثمن، وكان تجريد فريق هولندا، الأقوى فى العالم، من أهم أسلحته وهو «كرويف»، أهم ما فى هذه الخطة، فهدده باختطاف طفله وقتله فى حال مشاركته، وتصرف النجم الهولندى هنا كإنسان، رأى أن حمل كأس العالم لا يساوى عنده سلامة ابنه، لم يستسلم لقواعد الاحتراف ولغته، إنما انتصر لنفسه كإنسان سيتجرد من قيمته الإنسانية إن اشترى مجده على حساب ابنه.
لم تر مصر قيمة كروية مثل «كرويف»، لكنها فى الوقت نفسه لم تعرف قيم الاحتراف الحقيقية، ليس فى كرة القدم فقط، إنما فى كل المجالات أيضًا، لأنها ببساطة لم تعرف البيئة السياسية والاجتماعية السليمة التى تحترم حقوق الإنسان، ومن هنا يبدو أن تقييم عمر جابر يتم على قواعد ليست موجودة من الأصل، والقصة فى مجملها ليس فيها «أنه ولد متربى» كما يصفه البعض، وليس فيها «أنه يريد إثبات موقف»، كما يصفه حساده، أو كما يقول رئيس نادى الزمالك فى تسطيح بالغ: «لن أسمح بوجود أبوتريكة آخر»، القصة كلها أن «عمر» إنسان أولًا وأخيرًا، والاحتراف الذى نتحدث عنه هنا، لا نعرف أصول تطبيقه على الإنسان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علي عبد الحليم
اســطــــورة الإنـــســان الـــكــــامـــل وأســـلــحة الــدمـــار الشامل
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
منتهى الاحترافية