نادرا ما تسنح الفرصة للعالم كى يشاهد عن كثب هجوما منسقا تشنه قوة جوية ضخمة مستهدفة منطقة سكنية مأهولة، كما حدث إبان حرب غزة الصيف الماضى.
لكن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التى تقدم على قتل مدنيين خلال حرب، والقائمة طويلة، ابتداء من دريسدن وحتى اليابان ومن غروزنى إلى الجزائر.
الولايات المتحدة قتلت مدنيين فى صراعاتها الأخيرة - فى العراق وأفغانستان طيلة العقد الماضى، وقبل ذلك فى فيتنام والكوريتين أيضا.
الحرب الأهلية المستعرة فى سوريا أودت بحياة ما لا يقل عن 220 ألف شخص على مدى قرابة أربعة أعوام، نصفهم تقريبا من المدنيين، وكثير من اولئك الضحايا سقطوا جراء قصف الجيش السورى نفسه.
وإسرائيل نفسها قتلت مدنيين قبل ذلك، إبان حملات سابقة استهدفت فلسطينيين وعمليات أخرى فى لبنان.
وجاء تأسيس محاكم جرائم الحرب والمحكمة الجنائية الدولية فى الأعوام الأخيرة بغية إجبار القادة على التوقف، غير أن الملاحقة القضائية عملية معقدة سياسيا والمجازر لا تتوقف.
خلال الصيف الماضى خاضت إسرائيل وحماس حرب غزة طيلة شهرى يوليو وأغسطس تقريبا،إسرائيل طالبت بوقف استهداف مدنها بالصواريخ، ووصفت ذلك القصف بأنه جريمة حرب فى حد ذاته.
بنهاية الحرب كان 2205 فلسطينيا سقطوا قتلى وبينهم ما لا يقل عن 1483 مدنيا بحسب إحصاءات أولية للأمم المتحدة.
تقول إسرائيل إن 890 مسلحا كانوا بين القتلى فى غزة، وعلى الجانب الإسرائيلى سقط 67 جنديا قتلى إضافة إلى خمس مدنيين.
وكالة "الأسوشيتد برس" راجعت 247 غارة استهدفت مجمعات سكنية بحسب شهود وزيارات ميدانية، والمراجعة خلصت إلى أن تلك الغارات أسفرت عن مقتل 844 فلسطينيا بينهم 508 أشخاص بين طفل وسيدة وشيخ - فى مناطق جغرافية تعرف بوجه عام على أنها مناطق مدنية.
بعض أمثلة من التاريخ الحديث لصراعات استهدف فيها المدنيون:
هجمات الولايات المتحدة والحلفاء على طوكيو ودرسدن:
القنابل النووية التى أسقطتها الولايات المتحدة فوق هيروشيما وناجازاكى 1945 قتلت نحو 130 ألف شخصا، وضمنت استسلام اليابان وأنهت الحرب العالمية الثانية.
لكن المعروف بشكل أقل، هى العملية ميتنجهاوس، وفيها قصفت طوكيو بالقنابل الحارقة قبلها بخمسة أشهر.
ويعتقد أنها قتلت نحو مائة ألف شخص، مما يجعله الحدث الوحيد الأكثر دموية فى تلك الحرب.
وقبل ذلك بشهر، قتل حوالى 25 ألف شخص فى قصف مدبر قام به الحلفاء على مدينة درسدن الألمانية، مما دمر معظم المدينة التى كانت مركزا صناعيا رئيسيا يسهم فى جهود الحرب النازية.
وقتل الألمان أكثر من 28 ألف شخص فى الحرب الخاطفة، قصف لندن، فضلا عن ملايين آخرين خلال الحرب العالمية الثانية.
قصف الناتو لصربيا:
على مدار ثلاثة أشهر عام 1999، شن الناتو حملة قصف على صربيا دون موافقة الأمم المتحدة، كانت تهدف إلى إجبار قوات الأمن الصربية على الانسحاب من كوسوفو، التى تتمتع بأهمية تاريخية للصرب لكنها كانت تؤوى الأغلبية الألبانية التى تسعى إلى الانفصال.
وصدر تقرير من المحكمة الجنائية الدولية عن يوغوسلافيا السابقة يقول إنه يبدو أن ما يقرب من خمسمائة مدنى قتلوا وأشار إلى أن الأهداف تضمنت "فئات ذات تصنيف واسع مثل بنية تحتية عسكرية- صناعية ووزارات حكومية وبعض الفئات التى تثير مشكلات محتملة مثل الإعلام ومصفات النفط".
فرنسا فى الجزائر:
كانت امبراطورية فرنسا الممتدة فى أنحاء العالم تنكمش فى الخمسينات، لكن الدولة قاتلت فى أكثر معاركها وحشية للفوز بقطعة من مضمار ثمين: الجزائر، التى استعمرت بداية من 1830. استمرت الحرب للحفاظ على درة التاج الباريسية سبع سنوات، حتى 1962.
ومازال عدد الجزائريين الذين قتلوا غير معلوم، لكن التأريخ الفرنسى للحرب يقول إن حوالى 350 ألف إلى 400 ألف جزائرى قتلوا.
وفى نذير وحشى للحرب، فى انتفاضة 1945 فى مدينة سطيف، يقول الجزائريون إن حوالى 45 ألف شخص ربما يكونوا قد قتلوا على أيدى القوات الفرنسية أثناء محاولة إخماد الثورة، أما التقديرات الفرنسية فتقول إن عدد القتلى من الجزائريين هناك يتراوح بين 15 ألف إلى 20 ألف جزائري.
روسيا فى الشيشان:
خلال الحروب التى شنتها روسيا ضد انفصاليين فى الشيشان، هاجمت القوات المسلحة الروسية فى بادئ الأمر العاصمة غروزني، وذلك فى أواخر عام 1994 ومطلع عام 1995، فيما اعتبر حينئذ حملة القصف الأعنف فى أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما هاجمت القوات الروسية غروزنى عام 1999، وسوت المدينة بالأرض قبل أن تطرد المتمردين. وقال نشطاء حقوقيون وعمال إغاثة إن عدة آلاف من المدنيين قتلوا فى الهجمات الروسية، ولكن لا يزال العدد الدقيق للضحايا مجهولا.
الحرب الأهلية فى جواتيمالا:
يشهد تاريخ أمريكا اللاتينية المعاصر على صراعات اتهمت فيها حكومات باستهداف المدنيين، بما فى ذلك الصراع الذى شهدته تشيلى بعد انقلاب عام 1973 ضد سلفادور ألندي، أو ما شهدته الأرجنتين فى ظل الحكم الديكتاتورى فى الفترة بين عامى 1976 و1983.
والمثال الفظيع كان الحرب الأهلية فى جواتيمالا "1960 – 1963"، حيث قتل ما يصل إلى 200 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين من السكان الأصليين المايا، والذين تم استهدافهم على وجه الخصوص لتحالفهم المزعوم مع ميليشيات يسارية.
انتقام الجيش النيجيرى من هجمات بوكو حرام:
يواجه الجيش النيجيرى اتهامات بتعمد استهداف المدنيين فى هجمات انتقامية من حركة بوكو حرام المتطرقة التى استهدفت الجيش مرارا. وفى واحد من أسوأ الأمثلة على هذا، قتل مئات الأشخاص وأحرقت مئات المنازل فى بلدة باما العام الماضي، بعدما قتل شخص يشتبه فى كونه من عناصر بوكو حرام أحد جنود الجيش.
"أسوشيتدبرس" : ليست فقط إسرائيل من تقتل المدنيين .. أمريكا أيضاً
الجمعة، 13 فبراير 2015 04:22 م
أحد جنود قوات المارينز الأمريكية - أرشيفية
القدس(أ ب)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة