يحاصرنا الموت فى كل مكان، وما نحن بميتين ولا أحياء، يتمدد الموت فى الهواء فنستنشقه كل صباح، فى البر والبحر والجو، يمكث الموت بين أضلعنا، وحينما يخرجنا من النور إلى الظلام لا نندهش، فنورنا ليس نورا، وحياتنا ليست حياة.
يموت المصرى فى كل مكان، المشجع فى الاستاد، المتظاهر فى الميدان، المسافر فى الطريق، السائر فى الشوارع، المجند على الحدود، يموت المصرى بيد الأعداء ويموت بيد الأصدقاء، حتى تحول الموت إلى قاعدة وتحولت الحياة إلى استثناء، وصار لسان حال المصريين «مازلت حيا فألف شكر للمناسبة السعيدة» على حد تعبير «الشاعر الكبير محمود درويش».
هنا موت بالمجان لا يقدر أحد على الهرب منه، وكأن «عزرائيل» أصبح الحاكم الفعلى لحياتنا، والمصرى كما رسمه صلاح عبدالصبور منذ ما يقرب من ستين عاما حينما قال:
ويظل يسعل والحياة تموت فى عينيه
إنسان يموت
وعلى محياه القسيم سماحة الحزن الصموت
والبسمة البيضاء تهمر فوق خديه محبة
لك.. لى.. لمن داسوه فى درب الزحام
ألقى السلام
وصفا محياه وأغفت بين جفنيه غمامة
بيضاء شاحبة يطل بعمقها نجما سواد
وتمطت الرئتان فى صدر زجاجى خرب
وامتدت الأنفاس مجهدة تراوغ
أن تبوح بالانكسار
إنى انهزمت
ولم أصب من وسعها إلا الجدار
والنور والسعداء من حولى وقافلة البيوت
لكنه ألقى السلام
ومضى ولا حس ولا ظل كما يمضى ملاك
وتكورت أضلاعه، ساقاه فى ركن هناك
حتى ينام
وابتل وجه الليل بالأنداء
ومشت إلى النفس الملالة
والنعاس إلى العيون
وامتدت الأقدام تلتمس الطريق إلى البيوت
وهناك فى ظل الجدار
يظل إنسان يموت.