لم يستوعب أحد حتى الآن أحداث ليلة الأحد الدامية التى شهدت سقوط قرابة 20 شابا دهسا بالأقدام فى استاد الدفاع الجوى، ولايزال التخبط هو سلاح مواجهة الأزمات الكبرى، وكأن هذا الوطن مكتوب عليه أن يدفع ثمنا لتصرفات صغيرة لمسئولين أصغر من مقاعدهم، ويتم استثمارها بشكلٍ سيئ، ينال من حالة الهدوء والاستقرار وشعور المواطنين بعودة الأمن واسترداد هيبة الدولة، ولايمكن أبدًا أن أسلم بأن الضحايا الأبرار هم مجرمون وقتلة وأشرار ومأجورون، بل شبابٌ جميل من أبناء مصر، اختطفتهم يد الفوضى الغادرة، اسكنهم الله فسيح جناته ونقدم لأسرهم خالص العزاء .
لا أنكأ الجراح ولا أثير المواجع ولا أستبق تحقيقات النائب العام ، التى يجب أن تضبط الفاعل الأصلى والمحرض فى المجزرة وتقدمهم للمحاكمة، حتى تهدأ أرواح الشهداء ويطمئن ذووهم بأن العدالة الناجزة سوف تقتص من كل من شارك فى الأحداث الأليمة، ولكن من الناحية السياسية فنحن أمام حقائق تفرض نفسها:
أولاً : ليس جديدًا أن أقول إن البلاد مستهدفة فى الداخل والخارج، بمؤامرات وأموال وقنابل قذرة تنفجر هنا وهناك، وجماعة إرهابية تتربص بالبلاد، وتمتد أصابعها القذرة لتخرب وتقتل وتحرق، وتجد ضالتها فى التجمعات الجماهيرية، وليس مستبعدًا أن تكون وراء حادث الاستاد، ولكن هذا ما سوف تؤكده أو تنفيه تحقيقات النائب العام، ولكن كان من المفترض أن تكون جميع الأطراف على مستوى المسئولية، ولديها قرون استشعار لتفادى الخطر قبل وقوعه، الأمن واتحاد الكرة ونادى الزمالك، ولا يأخذهم الشعور بنشوة القوة المفرطة، وأنهم قادرون على السيطرة والهيمنة، وعليه فقد كان القرار الحكيم هو تأجيل المباراة أو إقامتها بدون جمهور، مع اتخاذ كافة الإجراءات لمنع وقوع مثل هذه الحوادث، ولكن يبدو أن أحدًا لم يستفد من درس بورسعيد، فتكرر فى استاد الدفاع الجوى.
ثانيًا: ليس جديدًا – أيضًا – أن أقول إن الأمن يتعافى تدريجيًا ولكنه لم يسترد كامل قوته، ومن الظلم أن يكون مستهدفًا باستمرار، فى ظل سياسة التشتيت الإجرامية التى تنفذها الجماعة الإرهابية، وصعوبة الأمر أن المجرمين هم من أبناء البلد ويندسون وسط الناس، ويجلسون معهم على المقاهى، ويسكنون فى نفس الشوارع، يركبون المواصلات العامة، وبالتالى يصعب تتبعهم والقضاء عليهم بين يومٍ وليلة، ولكن على المدى الطويل بسياسة ضرب الخلايا العنقودية وتجفيف منابع التمويل وضبط العناصر المحرضة، ولن يتحقق ذلك إلا بتعاون وثيق بين الشرطة والمواطنين، لأن الجرائم تستهدف إثارة الخوف والذعر فى نفوس أكبر عدد من الناس.
ثالثًا: لا يجب أن يستمر الألتراس والوايت نايتس وغيرها من الروابط الرياضية شوكة فى ظهر النشاط الكروى، فليس من مصلحة الرياضة عمومًا أن تتعطل ماكينة كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى والغذاء الروحى للجماهير، ومن حق هذا البلد عودة الانتصارات إفريقيًا وعالميًا ، وإحياء المسابقة المحلية، وأقولها بالفم المليان أنا ضد تأجيل الدورى إلى أجلٍ غير مسمى، ويجب أن يعود فى أقرب وقت، حتى لانحكم على النشاط الرياضى الأكبر فى مصر بالإعدام، بشرط احتواء هذه الروابط وإبعاد العناصر المشاغبة عنها، وهذه مهمة الأمن والأندية والإعلام واتحاد الكرة.
رابعًا : الإعلام .. آن الأوان للابتعاد عن سياسات التحيز والتهييج والإثارة والبحث عن أكبر عدد من المشاهدين على جثث الضحايا.
وأخيرًا: «ليس مهمًا أن يكون القط أبيض أو أحمر ولكن المهم أن يمسك الفأر» .. والفئران تعبث فى الجحور!