ما زالت جماعة الإخوان تحركها لوعة فقدها لحكم مصر، بعد عقود طويلة ظلت تتلمظ خلالها شوقا لعرش مصر، وهى فى ظل تلك اللوعة لا تكاد تقوى على قراءة المتغيرات الجديدة التى تخوض فى ظلها معركتها مع الدولة. راهنت الجماعة فى البداية على تحالف راسخ مع الولايات المتحدة الأمريكية، التى احتفظت بعلاقات وثيقة معها منذ العام 1948 على عكس ما يعتقد الكثيرون، ممن ظنوا أن تاريخ العلاقة بدأ مع بحث أمريكا عن بديل لمبارك يحقق لها مصالحها، بعد الضغوط الأمريكية على نظامه فى العام 2005 لفتح آفاق الديمقراطية بما يسمح باستيعاب جماعة الإخوان وحلفائها من اليمين الدينى. علت اللافتات باللغة الإنجليزية مسرح رابعة العدوية فى نداء مكشوف للغرب، من أجل أن يتدخل فى مصر لصالح الجماعة التى علا هتاف أنصارها بالتكبير، حين أعلن مأفون من على منصة رابعة اقتراب الأسطول الأمريكى من السواحل المصرية، فى دليل كاشف على هذا الرهان من جهة، وعلى عمق وطنية من اجتمعوا فى رابعة العدوية، ممن توعدوا الدولة المصرية بالويل والثبور وعظائم الأمور.
حاولت أمريكا بكل السبل الضغط على النظام المصرى الجديد، الذى آثر أن يستقوى بالشعب وبالأشقاء العرب الذين لم يخذلوه، وبالذات المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت الذين أبدوا شعورا لافتا بالمحبة والحرص على هذه الدولة، ورفض تركيعها بسيف الحاجة فواسوا مصر بالدعم السياسى والاقتصادى الذى لم ينقطع، رغم محاولات الجماعة تسميم أجواء العلاقة بين الطرفين، ورغم الضغوط الأمريكية على أشقائنا العرب الذين لم يرضخوا لتلك الضغوط، ومن ثم فشل الرهان على أمريكا على صخرة الالتفاف بين الشعب وقياداته من جهة، والدعم العربى والخليجى الواضح.
راهنت الجماعة أيضا على مسار ثورى ظنت أنها قادرة على إطلاقه من جديد، بعد أن خانت هى هذا المسار فى مثل هذا اليوم، الذى يصادف ذكرى تنحى مبارك يوم أرغمه المجلس العسكرى على قبول مطالب الشعب، راهنت من جديد على إنتاج هذا المسار تحت رعايتها، فلم تنطلى الخدعة على الثوار هذه المرة، فقد فقدوا الثقة تماما فى تلك الجماعة السرية التى أبرمت الصفقات مع نظام مبارك، وواصلت ذلك مع المجلس العسكرى السابق، الذى لعبت معه لعبة التوظيف المتبادل، حيث ظن كل طرف منهما أن بإمكانه خداع الآخر وتوجيه الأمور باتجاه مصالحه، حيث أنجزا معا تطورات المرحلة الانتقالية التى تحولت إلى مرحلة انتقامية من المستقبل الذى كان المتضرر الأكبر من هذا العبث.
ظلت الجماعة طوال أكثر من عام ونصف العام تتوسل بمظاهرات فى الشارع، لم يتجاوب معها الشعب وظلت معبرة عن فصيل تحركه لوعة فقدان سريع لحكم لم يشبع نهمه له، دون أن تكسب أنصارا جددا، سواء من عموم الشعب أو من القوى المعروفة بالثورية، بالرغم من سعى الجماعة فى وقت سابق لتخليق عناوين ثورية تدعى عدم وجود صلة بينهما وإشراكها باعتبارها فصائل أخرى، توسلت بالنساء فى الشوارع والجامعات وحتى أطفال المدارس من أبناء الإخوان وتنظيم الأشبال، على أمل أن تلتحم بهم تلك الشرائح من عموم المصريين الذين كانوا قد فقدوا الثقة تماما فى هذا التنظيم، وأدركوا أنه مجرد حزب سياسى يتوسل بالسياسة سبيلا للوصول للحكم، وتعبئة مشاعر الناس وعاطفتهم الدينية الحارة لخدمة أهداف ضيقة ومحدودة ما لبثت أن انكشفت تحت أضواء عام واحد من الحكم توسل الإخوان بمظاهرات الطلبة فى الجامعات، وصنعوا عاما دراسيا داميا لكن ما أفشل خطتهم تلك المرة أيضا هو وعى طلبة جامعات مصر بمخططات التنظيم وأهدافه، ومن ثم لم تنطلى الخدعة ولا محاولات التحرش الدائم بأجهزة الأمن، وصناعة صورة لمذابح وانتهاكات تحتاجها ميديا جاهزة تنفخ فى النار وتهيج الرأى العام ضد الدولة المصرية، فشل أيضا هذا الرهان.
راهنت الجماعة على المظاهرات التى لم تجد نفعا، فانتقلت إلى توظيف الطلبة والأطفال والنساء، فلم تنجح أيضا الخطة، خربت الجامعات وحاولت تهييج الرأى العام بالتحرش بأجهزة الأمن ودفعها لارتكاب مجازر ففشلت أيضا المحاولة، جرت استراتيجية الجماعة على ذلك، معتبرة نقطة التغيير من تلك الأساليب السلمية بين قوسين إلى الأساليب العسكرية والعنف المسلح، الذى اكتفت فى السابق بتركه عهدة أمينة لدى مجموعات العنف المسلح فى سيناء والوادى، دون أن تكشف الصلة بينها وبينه، حيث لم يفلح انسحاب قيادات إخوانية من اجتماع فصائل السلفية فى الشيخ زويد بسيناء، فى إقناع الرأى العام بأن الجماعة مقطوعة الصلة بتلك المجموعات التى توعدت الدولة المصرية وقتها بالمفخخات والقنابل والصواريخ، حيث واصلت الجماعة طريقها فى المظاهرات المستمرة التى جاءت محدودة العدد ومحدودة الأثر، حتى جاءت ذكرى 25 يناير الرابعة التى حددتها الجماعة سقفا لما سمته بالسلمية المبدعة، التى كان شعارها سلميتنا أقوى من الرصاص لتتحول إلى سلميتنا أقوى بالرصاص، وهو ما كشف عنه بيان الجماعة الصادر فى 27 يناير 2015 على موقع الجماعة الرسمى والمعنون بـ«وأعدوا»، والذى حفل بمفردات النظام الخاص والحديث عن القتال والكتائب، وهو ما ظهر أثره بعد ساعات من إصدار هذا البيان، بظهور حركات كالعقاب الثورى وضنك وحسم وغيرها من المسميات، التى كشفت توجه الجماعة الجديد باتجاه العنف خيار الجماعة الأخير، الذى سيقضى على ما تبقى منها، وهو ما أكدته منابر إعلامية محسوبة على الجماعة، حفل خطابها بالتحريض على العنف والتكفير الذى يجرى على مدار الساعة، بما كشف حجم التوافق بينها وبين مجموعات التكفير والعنف المسلح، الذى انتقل من التوافق فى الهدف وهو إسقاط الدولة المصرية، إلى التوافق فى الأهداف والوسائل بالشكل الذى أكد أن التمايز بين الإخوان وجماعات العنف المسلح، هو تمايز فى الدرجة وليس فى النوع، وأنهم قد يجتمعون فى صعيد واحد فى لحظة واحدة، كما كشفت لحظة رابعة العدوية وأخيرا اجتماعه على استخدام العنف كرهان جديد يائس قد تتلمظ تتلمظ يكتب نهاية الجماعة للأبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة