مشهور عن مجتمعنا أنه يعانى من إشكالية عميقة يحلو لو أن أسميها إشكالية «والسجاة والتراب» ففى كثير من الأحيان «نضطر» إلى تنظيف السجادة المتسخة التى تمتلئ بالتراب، وبدلا من أن نغسل السجادة ونمسح الأرضية، نلم التراب من فوق السجادة ونضعه أسفلها، وبذلك نعالج الأزمة «ظاهريا» وتبدو السجادة نظيفة لمن يراها، لكن يظل التراب كامنا أسفلها متهيئا إلى تلك اللحظة التى سيعلن فيها عن وجوده، ويوما بعد يوم يتحول أسفل السجادة إلى وكر للحشرات والطفيليات التى تنتشر فى البيت كله، وبعد هذا كله نندهش حينما نمرض أو تصبح بيوتنا وكرا للحشرات.
أعوام بعد أعوام توحشت هذه الحشرات، نما للحشرات شوارب ولحى، تجمعت فى أسراب، شكلت تنظيما، تسلحت بأحدث الأسلحة، عقدت تحالفات دولية كبيرة، بنت استراتيجية للدمار، وساعدها فى هذا حشرات أكبر، سمت الحشرات نفسها بـ«داعش» وصارت تجتذب إليها الأتباع والمريدين، وحينما أعلنت هذه الحشرات عن وجودها وأزهقت الأرواح وسالت الدماء اندهشنا.
هذا هو حالنا بعد عقود طويلة من اتهام موجات التحديث التى رسمها مثقفونا العظام بأنها دعوات تخريبية تمحو الهوية المصرية، صرخ مثقفونا العظام مرة بعد مرة، لكن صرخاتهم ذهبت هباء، قال المثقفون للناس: إن العقل أساس نهضة الأمم، وقال الأفاقون: بل العقل باب الشيطان، قال المثقفون للناس: إن تغييب العقل يخالف منطق الطبيعة، وقال الأفاقون: «من تمنطق فقد تزندق»، قال المثقفون للناس: إن الأمم تجدد نفسها بنفسها ولا يصح أن نجمدها على حالها خمسة عشر قرنا، وقال الأفاقون: إن التجديد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، ومكثنا على حالنا حتى عشنا فى جحيم حشرات داعش المعلن والخفى.
أمامنا الآن فرصة ذهبية للثورة على ميراث ثقيل من أكوم التراب المخفية تحت السجادة، فقد تطايرت الحشرات وأصبحت تتقن الإنجليزية بلكنة أمريكية، ونما لها مضادات للطائرات وراجمات للصواريخ، والجحيم لو تعلمون طويل، قاعه أسود ولهيبه ممتد، وإن لم نلفظ هذا الجحيم بتطهير منابعه وإحداث تغيير جذرى فى تعالمنا مع مقدسات التراث، فلن تقوم لنا قائمة، وستتحول مجتمعاتنا إلى حاضنات لأسراب الحشرات الممتدة من المحيط إلى الخليج، كل سرب يريد أن يقصى الآخر ويجهز عليه، وكل سرب له من يدعمه ويموله ويوفر له الغطاء السياسى، وكل سرب يرتكز على كومة من كومات التراب التى صارت هى والسجادة قطعة واحدة.