شهدت مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر تطورا مدهشا فى السنوات الأخيرة، من وسيلة للتعبير عن الرأى فقط إلى أداة لتغطية المسكوت عنه من الإعلام التقليدى صوتا وصورة، وفى لحظة حدوثه، وهو ما أطلق عليه «صحافة المواطن»، إلى أداة للحشد ومناصرة قضايا بعينها، ومن هنا بدأت المواقع أن تكون سببا ووسيلة رئيسية استخدمها شباب الربيع العربى لتحقيق التغيير المنشود، ولم يقتصر دور مواقع التواصل الاجتماعى على هذا الحد، ولكن وجد بعض الشباب فيما ينشر على هذه المواقع مادة جديدة ومختلفة تستحق أن توثق وتحلل ويصدر عنها نتائج للاستفادة منها، ومنهم الكاتب الشاب «محمد سيد ريان» الذى أصدر كتابا أخيرا بعنوان هاشتاج انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى فى يونيو الماضى «إحنا متراقبين»، والذى أتشرف أننى دشنته بتغريدة «#إحنا_متراقبين يا سعاد» كنوع من السخرية من القرار، وقد نشره الكثير من الشباب، الأمر الذى جعله من أعلى الهاشتاجات استخداما فى مدة تقل عن 24 ساعة، وكان ذلك عقب إعلان وزارة الداخلية عن مشروع «رصد المخاطر الأمنية على مواقع التواصل الاجتماعى» أو ما سمى بمشروع «القبضة الإلكترونية»، الذى أثار موجة من الذعر والغضب والسخرية بين الشباب، من جهة أننا كنا نعتبر مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الفيس بوك وتويتر المتنفس الوحيد الباقى بعد سقوط الشارع فى قبضة قانون تظاهر باطل، ومن جهه آخرى أثار هذا القرار سخريتنا فنحن نكتب كل ما نريد تحت أسمائنا الشخصية وعلى مرأى ومسمع كل العالم وليس مصر فقط، فكيف ستتم مراقبته إلا إذا كان سيتم التجسس على ما هو شخصى منه من رسائل؟ ولكن أوضحت وزارة الداخلية بعدها بتصريحات أكثر غرابة من القرار، أن القرار خاص بالبحث على بعض الكلمات الخاصة بالإرهاب وتتبع أصحابها، وهذا يعد بالأمر العجيب الغريب المدهش، لأن هذا لا يحتاج لرقابة ولا يحتاج أيضا لإعلان، مما رفع نغمة السخرية أكثر وأكثر من مثل هذه التصريحات.
لم يقتصر الكتاب الذى حمل اسم هاشتاج «إحنا متراقبين» على رصد ما سطر من تغريدات على هذا الهاشتاج فقط، ولكن تطرق لكل الاستخدمات التى استخدمها شباب مصر لهذه المواقع المتمثلة فى الدعوة للمظاهرات والمسيرات، والاحتجاجات، والاعتصامات، وأيام الغضب، والمقاطعة، والإضرابات، حتى تصل بنا لأعظم ثورة فى تاريخ المصريين التى حسب قوله «يقودها الشباب الذين خرجوا من بيوتهم بعد انقطاع الإنترنت، وجميع وسائل الاتصال ليثبتوا أن الشرارة التى اشتعلت على الإنترنت والفيس بوك خاصة لن تنطفىء، وأن الثورة قد حلت علينا ولا مفر منها».
ويعلن «محمد ريان» مؤلف «إحنا متراقبين»، أن الكتاب لن يكون كتابا منفردا بذاته فقط ولكن سيكون ضمن مشروع ثقافى متكامل لتوثيق كل ما يحدث على الوسائط الإلكترونية ومواقع التوصل الاجتماعى، وقد بدأ الكاتب ذلك عندما قام بتوثيق دور الفيس بوك فى الثورة المصرية، وأوضح مدى أهمية كل كلمة وحرف وقول ينشر على الصفحات الرسمية والشخصية، ودور الصور والجرافيك والفوتوشوب، وقد اقترح الكاتب إنشاء مركز يسمى «ذاكرة مصر على مواقع التواصل الاجتماعى» ومهمته توثيق ورصد ما يقوم به الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى، على أن يكون محايدا لضمان تمثيل جميع الآراء بدون منع أو مصادرة، وأعتقد أنها فكرة رائعة يجب أن تهتم بها جهات التوثيق الرسمية فى الدولة، وأن تتضافر الجهود الخاصة مع الرسمية لانطلاق هذا المشروع حتى يكون أمامنا جميعا وأمام أجيال قادمة كل مراحل تطور استخدام هذه الأدوات وكيفية الاستفادة منها بشكل أكبر، وأن نضع فى الحسبان أن %40 هم تقريبا نسبة الشباب فى مصر، الشباب يعنى المستقبل، يعتبرون هذه المواقع شئيا أساسيا لا غنى عنها فى حياتهم اليومية.
أتمنى أن تتبنى الدولة فكرة محمد، وهى إنشاء مركز «ذاكرة مصر على مواقع التواصل الاجتماعى»، وأن تقلع الدولة عن أفكار الجاهلية المتمثلة فى حظر أو رقابة مواقع التواصل الاجتماعى أو القمع والتنكيل بنشطاء ومريدى هذه المواقع التى لم يبق لهم غيرها للتنفيس فى زمن لا يتعدى كونه زمنا للإحباط واليأس والاكتئاب لهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة