بصراحة.. يتعجب المرء حين يتابع ما يحدث على الساحة السياسية بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ذلك أن الصراع احتدم فور فتح الباب للترشح، وظن الناس أن الأحزاب والتيارات والأفراد سيعلنون عن برامجهم الانتخابية حتى يفاضل الناخب بينها ويختار ما يتوافق مع مصالحه وأفكاره، لكن المفارقة أن الغالبية العظمى من الذين قدموا أوراقهم لا يملكون برنامجًا انتخابيًا محددًا، وإنما يطلقون عبارات بلاغية من نوع (هانبنى مصر)، أو (فى حب مصر)، أو (مصر هاتبقى قد الدنيا).. وهكذا تحولت السياسة إلى صياغات وعبارات لا تسمن ولا تغنى من مصالح!
فى كل العالم الديمقراطى تتكون الأحزاب وتتشكل تعبيرًا عن مصالح فئات وطبقات معينة، فهناك حزب يدافع عن رجال الأعمال والتجار والسماسرة، وهناك حزب يستهدف الدفاع عن مصالح العمال، وآخر عن الفلاحين، وحزب ثالث يطرح برنامجًا للحفاظ على مكاسب الطبقة المتوسطة وهكذا، لأن هذه الطبقات المختلفة لا يمكن أن تجتمع حول أهداف واحدة، والصراع العلنى أو المستتر هو الذى يحكمها فى النهاية.
إذا اتفقت معى على هذا الكلام فكيف يمكن أن نفسر ظهور قائمة مثل (فى حب مصر) يقول أمينها العام اللواء سيف اليزل بالنص: (والناخب سيستفيد من انتخاب قائمة «فى حب مصر» أنه ينتخب وجبة دسمة تضم جميع التيارات السياسية ليبرالية واشتراكية وناصرية وشيوعية، فكل الاتجاهات موجودة لدينا/ المصرى اليوم 11 فبراير).
هذا الكلام ينسف الواقع نسفا، لأن المجتمع المصرى يحتشد بعدة طبقات رئيسية لا يمكن أن تتوافق على مصالح واحدة، فالفقراء، وهم بعشرات الملايين، يبحثون عن حلول تنقذهم من هذا الفقر الخانق، والأثرياء يسعون إلى السيطرة على البرلمان المقبل ليضعوا القوانين التى تزيد من ثرائهم، وهكذا يتم تمييع الأفكار ويبتذل الواقع السياسى بكل أسف.
أجل.. أمامنا طريق طويل للوصول إلى شطآن الوعى السياسى، وأمامنا طريق أطول لتتعرف الشرائح والطبقات الاجتماعية على ذاتها وتحدد مصالحها، وأمامنا طريق آخر لتنتظم هذه الطبقات فى أحزاب سياسية تنافس على الوصول للسلطة بشكل سلمى.
آنذاك.. لن يجرؤ أى تيار على القول: (ليس لدينا برنامج انتخابى) كما أعلن أحدهم باستخفاف!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة