لا يمكنك أن تؤسس لدولة على أطلال الصرخات الناتجة عن وسائل الإعلام، الإعلام أصلًا لا يصنع دولة إن كان معك، ولا يدمر دولة إن كان ضدك.
لم يفعل الإعلام شيئًا لدولة مبارك، ولم تفلح مليارات الإخوان فى خلق وسيلة إعلامية تسند الجماعة الخائبة، ولم ينفع الإعلام نفسه ولا أحزابه فى مواجهته مع الإخوان فى استفتاء مارس 2011، وانتخابات 2012، ودستور 2013.
الوضع الآن صعب، الكل مرتبك، والدولة تسير بمفردها، لا تجد الدعم الكافى من الأحزاب السياسية، ولا تجد المساندة الإعلامية كما يجب أن تكون.. الفضائيات والصحف مشغول أهلها بمعارك صغيرة عن «ثورتنا اللى أحسن من ثورتكم»، بخلاف البحث عن مساحات نفوذ أوسع فى أرض السلطة الجديدة، أما السلطة نفسها. والدولة ذاتها فلا تجد من يقدم لها دعمًا حقيقيًا أو نصحًا مخلصًا.
كلنا مرتبكون، الأخلاق ضربوها فى الخلاط، وتاهت معالم خيوطها، وأصبح المنافق بطلًا، وتحول الذين كانوا يجلسون تحت أقدام كرسى النظام السابق إلى أبطال ثورة، ومناضلين.. الوضع صعب يا سيدى، ومعايير الخلطة اختلفت، وبعد أن كانت فى الماضى تتكون من صوت خافت وخاضع، يقول نعم على طول الخط، ويلعب على الأحبال طوال الوقت، أصبحت تتكون من أصوات تصرخ على الفاضية والمليانة والتافهة قبل النافعة، لكنها ظلت تمارس هوايتها فى اللعب على الأحبال.. الوضع صعب يا سيدى، ولا وصف له أفضل من كلام الرائع بيرم التونسى الذى قال: «م المستحيل إنت تخدع أى طفـل صغيـر، وتلف عقلـه وتعطيـه القليـل بكتيـر، لكن بأهـون طريقـة تخـدع الجماهيـر، لو كنت أغبى غبى تجرى وراك وتسيـر، خليل يصقَّف، يصقف شعب ويـا خليـل، من غير ما يسأل عن الأسباب والتفاصيل وحمار يغنى، وجايب من يقول له آه.. حـالاً تقـول الخلايـق كلهـا ويّــاه، الحق يخفى وفى وسط الزحـام ينـداس، وناس فى فهم الحقيقة تتكل على ناس، ويساعدك الحظ ياللى تحسـن التجعيـر».
هل قرأت الكلام السابق؟!.. عد مرة أخرى وكرر المحاولة، الوضع فى مصر الآن ستجده بين تلك السطور، انظر إلى هؤلاء الذين تبدلوا وتحولوا وانتقلوا من كراهية ذاك إلى مدح هذا والعكس، وستعرف أن حال مصر كله موجود فى تلك السطور.. عد إلى كلام بيرم التونسى، وركز معه كثيرًا، ستعرف أن الارتباك والكذب والتلون والنفاق الذى نغرق فيه الآن، يستدعى منك أن تجعل صوتك من عقلك، لا من برامج التوك شو، أو من صفحات الجرائد، أو من على ألسنة الشيوخ.. اقرأ كلام بيرم التونسى جيدًا لكى تعرف أن أصوات بعض المشاهير والسياسيين لابد أن تدخل من الأذن اليمين، وتخرج من الشمال دون أى تأثير.. اقرأ كلام بيرم التونسى لتسأل نفسك: لماذا يصرخ كل هؤلاء ويجعجعون بشجاعة، بينما كنا فى أشد الحاجة لهمسهم من قبل ولم يفعلوا؟.. اقرأ لتعرف أن الصراخ يعد بطولة، وأن الحقيقة لا تكمن أبدًا بين طيات تلك الأحبال الصوتية التى تؤمن بأن الجعير أهم بكثير من الهدوء والتفكير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة