من المؤسف أننا برغم ما نعانيه من ويلات الإرهاب الإسلامى لم نسأل أنفسنا حتى الآن: لماذا يذهب الشباب إلى داعش، ولماذا يترك شاب مثل «إسلام يكن» كل مظاهر المدنية التى كان يتمتع بها فى مصر ليغرق فى وحشية هذا التنظيم المسلح؟ وكيف يتنازل هؤلاء الشباب عن كل مظاهر الإنسانية التى فطرهم الله عليها ونجدهم يستمتعون بسفك الدماء وقطع الرقاب واسترقاق النساء؟
خبراؤنا فى ساحات الإعلام يؤكدون أن هؤلاء «عملاء ومأجورين» وأنهم تطوعوا للاشتراك فى هذا التنظيم نتيجة لجهلهم بصحيح الدين، ولفقرهم المدقع ولغبائهم المشهود، لكن يؤسفنى أن أقول إن هذا الكلام وإن كان به بعض الصحة, فإنه يظل كلاما فارغا فى ظل غياب الدراسات العلمية لهذه الظاهرة، وغياب الإحصائيات المؤكدة عن هذه الحالات، فالشواهد تؤكد أن بعض المنضمين إلى داعش ليسوا من أهل الحاجة والعوز كما أن مستواهم التعليمى والاجتماعى لا يدل على جهل أو غباء، ولدينا فى حالة الشاب المصرى «إسلام يكن» وصديقه الذى انضم إليه مؤخرا «محمود الغندور» خير مثال على هذا، وإذا أضفنا إلى هاتين الحالتين عدد الأوروبيين الذين انضموا إلى التنظيم فإن الحديث عن مثل هذه الأسباب يبدو خبلا صارخا.
لدينا تنظيم مسلح، تجرد أعضاؤه من كل مظاهر المدنية والإنسانية، ارتضوا الغربة عن الوطن، والشقاء فى تدريبات مجهدة، والسفر لآلاف الأميال، والتعرض كل يوم للقصف أو القتل أو الأسر، والغريب أنهم يصدرون لنا أنهم يفعلون كل هذا وهم راضون مبتهجون، ولا أكذب إذا قلت إن هؤلاء الشباب رفضوا أن يتعبوا فى بلدهم من أجل تحقيق ذواتهم بمقدار أقل بكثير من تعبهم فى سبيل سفك الدماء، فلماذا ارتضوا بالخمول والدعة فى وطنهم، وسعوا مبتهجين إلى الشقاء والعنت فى الغربة.
نقول إن شباب داعش «مغيبين»، نعم هم مغيبون، لكننا لم نسأل أنفسنا من الذى أوقعهم فى الغياب؟ وماذا فعلنا لننقذهم منه؟ أو على الأقل لننقذ غيرهم؟ فمن ينظر إلى شبابنا يدرك تماما أن هناك حالة عامة من انعدام القيمة وافتقاد القدوة، وانعدام الأمل، أعرف شبابا غاية أملهم أن يتمتعوا ببنيان رشيق يبهر النساء ولا غير، وأعرف شبابا غاية أملهم أن يجدوا عملا ليتمكنوا فقط من الإنفاق على أنفسهم، وأعرف شبابا غاية أملهم أن يجدوا قرص «ترامادول» كل صباح، وأعرف شبابا يجاهد من أجل فرصة للحياة فيأتيه الموت من كل مكان، وأعرف شبابا حاول أن ينادى بالإصلاح والتنمية والتقدم، فما ظفر إلا بالسجن والاعتقال.
وكأن الدولة فى حالة حرب ضد شبابها، وبدلا من استغلال طاقة الشباب فيما ينفع حاربناها وغيبناها، فتحول شبابا فى ظل غياب الحلم والعلم والمشروع الوطنى إلى «قطعة أرض فضاء» تركتها الدولة واستغنت عنها، ثم تعجبت حينما تحولت هذه الأرض إلى «مقلب قمامة» اسمه «داعش».