إبراهيم طاطليس 62 عاما هو مغنى تركى شهير من أصول كردية، كانت أفلامه تعرض فى مصر فى السبعينيات والثمانينيات، ويمتلك هذا المطرب الشهير صوتا لا أبالغ إذا قلت إنه من أروع الأصوات الذكورية فى العالم أجمع، حنجرته مدربة جيدا على أداء أعقد الأغنيات وأبسطها، يتقن الموال ويتفنن فى التوحد مع الكلمات، مستعينا بإمكانيات صوته النادرة، فيجبرك على التوحد مع حالته والشعور بمشاعره، وكان طبيعيا ألا تخلو حفلاته من مشاهد لبعض معجبيه وهم يبكون تأثرا بما يقول، فاستحق أن يكون «إمبراطور» الغناء التركى بلا منازع، فما هو الدرس الذى أرى أننا يجب أن نتعلمه منه؟
ابحث فى صفحات الإنترنت عن تسجيل مصور بهذا العنوان «طفل يهزم إبراهيم طاطليس» أو «طفل يغنى أفضل من إبراهيم طاطليس»، لترى بعينك كيف يجب أن يتعامل الكبير مع الصغير، وكيف يجدد المجتمع من نفسه بإعطاء الفرصة للصغير، فتمر مرحلة انتقال السلطة من جيل إلى جيل بسلاسة ويسر، دون أن نهدم صغيرنا أو نوبخ كبيرنا.
فى هذا التسجيل المصور يظهر طفل فى مسابقة غنائية وقد حاز على إعجاب الجماهير، فيقول له المذيع إنه تمنى أن يغنى مع إبراهيم طاطليس إذا ما حقق نجاحا بالمسابقة لكن عليه الآن أن يغنى بمفرده، وما أن يبدأ الطفل بالغناء حتى يفاجئ الجمهور باعتلاء طاطليس المسرح ليشارك الطفل فى الغناء، وحينما يتشاركان فى الغناء يصدح الطفل بكامل قوة صوته أمام «الإمبراطور» لعله ينال إعجابه، لكن طاطليس يفاجئ الجميل بتمثيل دور المهزوم أمام الطفل، ويظهر نفسه فى صورة المنسحق أمام حنجرته الطفل القوية، فتضج القاعة بالتصفيق للطفل «المعجزة» والإمبراطور «المتواضع».
ربما تقول الآن إن هذه تمثيلية متفق عليها، أو أن ما يحدث على المسرح أمام الجمهور يختلف عما يحدث فى الواقع، لكنى أؤكد لك أن هذه الاحتمالات لا تهمنى حتى وإن كانت صحيحة، ما يهمنى هنا هو الرسالة التى وصلت إلى الملايين الذين تابعوا هذا التسجيل المبهر الذى يعلمنا فيه «إبراهيم طاطليس» كيف يجب أن تتعامل الأجيال السابقة مع التى تليها، وكيف يمنح «الكبار» فرصة لـ«الصغار» ليعلنوا فيها للعالم عن وجودهم وأحقيتهم باستكمال مسيرة «الكبار»
ما أحوجنا «فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد» إلى درس كهذا، فما نمر به من موجات الإرهاب الفارقة «تاريخيا» تقول لنا ما نصه «إذا استغنيت عن شبابك وأقصيتهم عن صنع مستقبل بلدهم فإنهم سيتجهون فى أقرب فرصة إلى من لا يستغنى عنهم» والأيادى التى تتخطفهم فى حالنا هذه كثيرة، وليس هناك ما هو أشد إيلاما من أن نجد شبابنا موزع بين إدمان المخدرات أو إدمان التفاهات أو الانتحار بين صفوف داعش وأخواتها، بعد أن تملكم اليأس وجرت الكراهية واللامبالاة فى عروقهم مجرى الدم.