دون إلقاء اتهامات مرسلة، لدينا الآن عدة شواهد وملاحظات يجب أن نسردها قبل أن نتأمل الموقف الأمريكى من تنظيم «داعش الإرهابى»، فهذا التنظيم بأفرعه المتعددة يحظى بدعم «غير مرئى» من عدة دول، ولا يمكننا أن نتخيل أن تنظيما كهذا يحصل كل يوم على طوفان من الذخيرة الحية والمدفعيات الثقيلة دون أن يكون لديه خط إمداد وتموين من الأسلحة، ومعروف بالضرورة أنه لا يقوم بتصنيع مثل هذه المعدات، فمن أين إذن يحصل «داعش» على أسلحته؟ وكيف يعوض ما يستهلكه كل يوم من «ذخيرة»؟
ربما يكون هذا السؤال هو المفتاح الأول لتأكيد أن «داعش» على علاقة وثيقة ببعض الدول التى تمده يوميا بالعدة والعتاد، وليس من المنطق هاهنا أن يقول أحدهم إن هذا التنظيم يعتمد على المخزون المتروك من مخلفات نظام معمر القذافى فى ليبيا أو مخلفات نظام بشار الأسد فى سوريا أو مخلفات الجيش العراقى فى العراق، فلو صدقنا أن أسلحة «داعش» من مخلفات هذه الأنظمة فمن أين يحصل على «الذخيرة» التى تتجدد يوميا؟
يتمركز «داعش» فعليا فى أربع دول، هى: سوريا ومصر والعراق وليبيا، وله فى كل بلد من يحاربه، وإذا ما نظرنا إلى خريطة الوطن العربى فسنجد أن الأماكن التى يتمركز بها «داعش» مناطق التصاق حدودى مع فلسطين وإسرائيل وتونس وتركيا، كما أن له حدودا مفتوحة على البحر المتوسط فى الرقة بسوريا وطرابلس بليبيا والعريش بمصر، ولذلك فلا يمكننا أن نتخيل أن داعش تعيش «بمفردها» وهو ما يلقى بالمسؤولية على المجتمع الدولى- وعلى رأسه أمريكا- الذى يسهم، بصمته عن حصار داعش، فى توغل الإرهاب وتوحشه.
هنا يجب أن نتذكر موقف مجلس الأمن الذى رفض تسليح الجيش الليبى، كما رفض حصار داعش فى ليبيا، مانحا هذا التنظيم فرصة ذهبية لتغيير الأوضاع على الأرض وإفشاء الذعر والترويع بين المواطنين والتمادى أكثر فى الاستيلاء على ثروات العالم العربى وآثاره، وهو ما يبدو تغاضيا من أمريكا عن انتهاك جميع الأعراف الإنسانية والدولية.
ما لا يعرفه أوباما عن داعش هو أن هذا التنظيم ليس تنظيما «إسلاميا» أو «عربيا» أو «إقليميا» لكنه حلقة فى الحرب على الحداثة العالمية بتجلياتها وإبداعاتها، تنظيم يحارب الإنسانية بصورتها المتطورة ويعيدها إلى عصر البداوة والبدائية، تنظيم كفر بالنظم السياسية والاقتصادية العالمية الحديثة، واستمد فكره من الأيديولوجيات الرجعية البائدة، بما يعنى أن أمريكا ليست ببعيدة عن نيران هذا التنظيم أو أفكاره، فكما نشأت احتجاجات «وول ستريت» تأثرا بثورات الربيع العربى فليس ببعيد أن تنشأ حركة «الهنود الحمر الجدد» تأثرا بداعش.