تمنيت فى كلمة الرئيس السيسى، مساء الأحد، أن تتضمن رؤية شاملة حول الأوضاع العربية، وألا تقتصر فقط حول توضيح أوجه التعاون بشكل خاص بين مصر والسعودية والإمارات والكويت، صحيح أن الرئيس تعرض لمواقف دول عربية أخرى مع مصر فيما يتعلق بمساندتها للإرهاب، مثل الأردن والبحرين والجزائر، لكن كان هناك إغفال تام للوضع فى سوريا، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، وكذلك الوضع فى اليمن، واللافت أن الخطاب جاء فى ذكرى مناسبة الوحدة بين مصر وسوريا «22 فبراير 1958»، وهى أول وآخر تجربة للوحدة فى التاريخ العربى الحديث، صحيح أنها انتهت عام 1961 لأسباب داخلية وخارجية لكنها تبقى فى الوجدان العربى كدليل حلم أقلق مضاجع أمريكا وإسرائيل وكل أعوانهما.
سوريا بما يحدث فيها الآن هى «أم الأزمات» العربية والإقليمية، وهى ملعب للأطراف الإقليمية والدولية التى أدت فى النهاية إلى أن تكون كل الجماعات التكفيرية والإرهابية متواجدة فيها، ويحدث ذلك فى ظل غياب مصرى لافت عن هذه الأزمة، صحيح أن هناك تصريحات دبلوماسية يتم ذكرها بين الحين والآخر، لكن التحرك الفعلى الذى يعبر عن رؤية شاملة يبدو غائبا.
لا يخف على أحد أن الموقف المصرى فى هذه الأزمة يضع فى اعتباره الموقف الخليجى منها، فالسعودية وقطر يصممان على إسقاط بشار الأسد ونظامه ومعهما باقى دول الخليج بدرجات مختلفة، والسعودية تقدم فى نفس الوقت دعمها إلى مصر، والمؤكد أن السعودية فى هذه الأزمة تحديدا لن يسرها بأى حال من الأحوال أن يكون هناك موقف مصرى على النقيض من موقفها، غير أن عدم تبنى مصر لرؤية شاملة للحل تنطلق من أساس عربى يضيع عليها فرصة تأثيرها الإقليمى الذى يتناسب مع مكانتها الطبيعية.
الأزمة السورية مسؤولة عن الإرهاب فى المنطقة، مسؤولة عن ولادة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وأوضحت دون لبس الطموح التركى فى أن تتحول سوريا وباقى المنطقة إلى جزء من الحلم العثمانى، وأكدت على أن التنظيمات الإرهابية هى وليدة هذا الطموح إن لم يكن بالتبنى والرعاية والعون، فعلى الأقل بغمض العين عن خطرها وتسهيل كل الظروف لها طالما ترفع سلاحها ضد الجيش العربى السورى، وأكدت على أن مصر مستهدفة من كل الأطراف اللاعبة فى الشأن السورى حتى تبقى فى قمقمها، وتأسيسا على كل ذلك يجب أن يكون هناك موقف مصرى واضح بشأن هذه الأزمة، وكنت أتمنى أن تكون كلمة الرئيس تصب فى هذا الاتجاه.
لم تلتفت كلمة الرئيس إلى الأوضاع فى اليمن بكل تطوراتها، والمرشحة للتحول إلى حرب أهلية، وفى حال حدوث ذلك ستكون ملعبا جديدا لكل الجماعات التكفيرية، كما غاب الحديث عن القضية الفلسطينية والتى تشهد تراجعا لم تشهده فى تاريخها من قبل.
تاريخيا، كان الدور المصرى يتعاظم كلما كان يمتلك الرؤية للأمن القومى العربى الشامل، واللافت أن الأزمات الثلاث المشار إليها كانت هى موضع اهتمام مصر فى سنوات مجدها القومى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، صحيح أن الظروف تغيرت، لكن كل تطورات الأحداث تؤكد أن هناك ثوابت فى مسألة الأمن القومى لا تتغير، وحين بدأ التغيير فى النظرة إلى هذه الثوابت منذ زمن السادات وطوال زمن مبارك، دخلت المنطقة إلى نفق مظلم، وآن الأوان أن تستعيد مصر دورها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة