قد يظن البعض أننى حينما أتحدث عن أهمية الاعتناء بالشباب باعتبارها قضية أمن وطنى غاية فى الأهمية أننى أريد أن يتم تمييز الشباب بشكل مبالغ فيه، أو أننى أضعهم فى خانة أصحاب الاحتياجات الخاصة أو الفئات المهمشة التى تحتاج رعاية طارئة من الحكومة، وهذا كله غير صحيح على الإطلاق، نعم يجب أن تتعامل الإدارة المصرية بشىء من الاهتمام مع هذه القضية، خاصة أن بعض شباب مصر قد تحولوا إلى قنابل موقوتة، لكن ما يجب ألا ننساه هو أن هؤلاء الشباب هم مصر الحقيقية، وهم قادة مصر فى المستقبل، شاء من شاء وأبى من أبى، ورغما عن الجميع سيتولى هؤلاء الشباب زمام الأمور فى مصر فى غضون عشرين عاما على الأكثر، وعلينا أن نفكر من الآن فى الطريقة التى سيتسلم بها شباب مصر مسؤولية إدارة البلاد، والحال الذى مصر عليه قبل عملية التسليم والتسلم.
يؤسفنى هنا أن أقول إن فى مصر بعض الكيانات التى ترعى شبابها وتعدهم لإدارة مصر، ليس على طريقة بناء جيل واع أو الإسهام فى الارتقاء بشعب بأكمله، وإنما على طريقة «زراعة الصوبات»، فكل كيان يجتهد فى إغلاق محيطه على نفسه وأبنائه مرسخا فيهم الإحساس بالتمييز والاختلاف، ثم يشكل شخصية هؤلاء الأبناء وفقا لقوانينه ومبادئه الخاصة، وبالتالى يصبح «الأبناء» معزولين عن مجتمعهم غير معترفين بقوانينه وغير عابئين بأقرانهم، تماما مثل عساكر «الإنكشارية» فى العصر العثمانى أو مليشيات الإخوان وداعش فى العصر الحديث.
عمليا ثبت أن هذه الطريقة فى إعداد جيل للمستقبل أصبحت طريقة منتهية الصلاحية، ففى وسط الأخطار المحدقة فى جسد بلادنا لا ينبغى أن نختصر الوطن فى بضعة آلاف أو حتى بضعة مئات من الآلاف، ولابد أن تعمل على «زراعة الوطن» فى قلوب أبنائه، ليس على طريقة زراعة الصوبات وإنما على طريقة بناء الشعوب.
الخطوة الأولى فى هذا السبيل تتلخص فى إجراء فعل حقيقى يشعر المواطنين بأنهم أسياد فى بلادهم، مهما اختلفت الأعراق أو الديانات أو الطبقات، ولذلك أقترح أن تعمل الحكومة الحالية أو مجلس النواب القادم قانونا يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص، بحيث يشعر كل شاب أنه يمتلك فرصا متساوية مع أقرانه، وأنه ليس لأحد فضل على أحد إلا بالعمل والاجتهاد والابتكار، ويشعر كل مواطن أن الوطن حق مكتسب لأبنائه الأوفياء، وليس حقا مكتسبا لأبناء «الصوبات».
إجراء كهذا كفيل بأن يغير المزاج العام لدى شباب مصر، وكفيل أيضا بأن يحفز كل صاحب موهبة على الاجتهاد فى تنميتها، وكفيل أيضا بأن يؤكد لأصحاب الأفكار الهدامة أن مصر على قلب رجل واحد، ولا سبيل لاختراقها أو العبث بهويتها وأمنها.