على حد تعبير السفير محمد سامح عمرو، مندوب مصر لدى اليونسكو، رئيس المجلس التنفيذى للمنظمة، فإن ما ارتكبه «داعش» بحق آثار الموصل يعد «كارثة حضارية» بكل المقاييس، فقد أعاد مشهد هجوم «داعش» على متحف «نينوى»، وتكسير ما به من آثار إلى الأذهان ما فعلته جماعة «طالبان» بتماثيل بوذا فى العام 2001، حيث قامت ميليشيا «طالبان» بأمر من القائد الملا عمر بنسف تماثيل بوذا فى «باميان»، وسط مناشدات من دول العالم أجمع بترك هذه التماثيل النادرة، أو على الأقل نقلها، لكن «طالبان» لم تسمع لأحد، ونسفت بالفعل تلك التماثيل وسط تكبيرات جماعة «طالبان»، وصراخ العالم المتحضر.
الآن نرى إعادة لتلك المشاهد بصورة أكثر تجبرًا وهمجية، هجمت حشرات «داعش» على المتحف فلم تترك حجرًا على حجر، بالمعاول كسروا، بالآلات الضخمة كسروا، وبالأفواه القذرة كبروا، نفس التكبيرات التى يرددونها حينما يزهقون روح إنسان، أو يحرقون بيتًا أو شجرًا، يتخيلون أنهم بهذه الأفعال الإجرامية يمجدون الله «الأكبر» كما لو أن الله كان صغيرًا قبل فعلتهم هذه!
نعم، ما فعله هذا التنظيم الإجرامى يعد كارثة حقيقية، لكن حدسى يقول لى إن هذا التنظيم الذى سمح للأتراك بنقل رفات سليمان خان فى جنح الظلام لا يتوقف كثيرًا حول المبادئ التى يدعى أنه يمثلها، فقد هدم «داعش» كل القباب والأضرحة التى وجدها فى طريقه، لكن اختلف الأمر مع قبر سليمان شاه «جد العثمانيين»، وترك تركيا تنقله فى أمان واطمئنان، وهو ما يثير التساؤل حول أمرين مهمين، الأول: هل يلتزم «داعش» فعلا بالمبادئ التى يدعى أنه يمثلها؟، والثانى هو: ما السر الذى جعل «داعش» يغض الطرف عن اختراق تركيا لمناطق نفوذه، ونقل قبر سليمان شاه؟
تقارير إخبارية وبحثية عالمية أكدت أن تركيا قامت بهذه العملية بتنسيق مع «داعش»، حيث لم تطلق القوات التركية التى نفذت هذه العملية فى قلب الظلام رصاصة واحدة، رغم أنها كانت على مقربة من قوات «داعش» وميليشياتها، ولست هنا لأناقش مدى التعاون بين «داعش» وتركيا، لكننى فقط أريد أن أوضح أنه لا مبدأ لـ«داعش» ولا عهد، فمبدؤها وعهدها هو المصلحة، ولا شىء غير المصلحة.
هكذا أجدنى متشككًا فيما قام به «داعش» من تدمير لمتحف «نينوى»، فمعروف أن «داعش» يتعامل مع ثروات البلاد التى يغزوها بنفعية كبيرة، وعينه لا تحيد أبدًا عن النظر إلى الأموال والثروات التى من الممكن أن تدر ربحًا عليه، ولهذا لا أستبعد أن يكون مشهد تدمير متحف «نينوى» تمثيلية جديدة تضاف لتمثيليات «داعش» المتعددة، وأكاد أوقن بأن هذا التنظيم الإجرامى نقل أهم الآثار وأغلاها إلى مخازنه، وكسر فقط بعض المستنسخات المقلدة، أما الآثار الحقيقية فإن مصيرها هو البيع قريبًا..سنرى.