جلس مكتئبا على كرسيه أمام شاشة الكمبيوتر بعد أن فقد صديقه فى حادث، يبحث عن شىء مفقود يأمل أن يجده. شعر أنه لابد وأن يغير مجرى حياته التى تشبه آلاف الشباب مثله، كان ينشد طريقا إلى الله يجد فيه ملجأ من الشعور بالخوف من الموت الذى سيطر عليه بعد موت صديقه. كان ينتظر من يمد يده ليرشده إلى هذا الطريق، لم يقتنع الشاب الرياضى ابن مدارس الليسيه المفاخر بعضلاته بأوهام وكلمات متراصة تصدر من المشايخ والمؤتمرات الإسلامية التى تعقدها المؤسسات الدينية عن تجديد الخطاب الدينى ومحاربة الإرهاب والتطرف، لم يجد أمامه سوى صوت آخر ويد أخرى نسجت خيوطها حوله عبر الشبكة العنكبوتية ليقع أسيرا لأفكارها، يد استطاعت أن تصل إليه سريعا ودون جهد حتى وإن كانت تبعد عنه مسافات وأميالا وبلادا، تلقفت حيرته واستغلت ضعف ثقافته الدينية، أوهمته أن طريقه إلى الله مفروش بدماء الأبرياء، وأن خلاصه لن يكون إلا بالجهاد المزيف الذى يجز رؤوس البشر ويحرق أجسادهم. بينما على الجانب الآخر وفى قاعة مغلقة جلس كبار المشايخ يرصون الكلمات المنمقة على أوراق لا يراها غيرهم، بيانات شجب وتوصيات وتعبيرات عن سماحة الإسلام وخطابات موجهة للخارج تؤكد أنه لا علاقة بين الإسلام والإرهاب والعنف والتطرف، بينما يذهب بعضهم فى نوم عميق على المنصة أو على مقاعد القاعة.
هكذا انضم إسلام يكن وصديقه محمود الغندور وغيرهما من الشباب المصرى لصفوف داعش، بينما يصدر الأزهر بياناته بعد كل حادث إرهابى ليؤكد أنه لا علاقة بين الإسلام والتطرف، وهى البيانات التى لا يعبأ بها الشباب ولا يقرأها، ولا يراها سوى مجرد حبر على ورق رسمى لا تخاطبه ولا شأن له بها، وفى الوقت ذاته توجه دار الإفتاء المصرية حديثها للغرب فى مقالات باللغات المختلفة لتظهر حقيقة الإسلام وتعمل على تصحيح صورته فى حين أنها لم تصل إلى اللغة التى يعرفها ويقتنع بها شبابنا الضائع الباحث عن الإسلام الوسطى فى وطنه دون جدوى وكأنها أب مغترب يجتهد فى الخارج ويترك أبناءه يضيعون فى الوطن.
فى حين تستعد وزارة الأوقاف لعقد مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الرابع والعشرين نهاية فبراير الحالى «أى والله الرابع والعشرين»، فهذا المؤتمر ينعقد كل عام منذ ما يقرب من ربع قرن، قبل ظهور داعش وحتى قبل ولادة معظم الشباب الذين انضموا إليها مؤخرا، وهو ما لا يدعو لفخر وزير الأوقاف بعدد هذه السنوات وهو يعلن عن موعده، مؤكدا أن المؤتمر الذى يستضيف مشاركين من 30 دولة هم نفس المشاركين تقريبا كل عام سيشكل خطا فاصلا فى مواجهة الإرهاب والتطرف والغلو، وأن الوزارة ستبدأ منه حربها على داعش.
عذرا مشايخنا فعدد سنوات جلوسكم فى قاعات المؤتمرات الذى اقترب من ربع قرن ليس مدعاة للفخر، بل دليل على الفشل الذريع، شاهدت الكثيرين منكم يغط فى نوم عميق داخل القاعات وعلى المنصة طوال سنوات تابعت فيها هذا المؤتمر وتوصياته التى تكاد تتشابه كل عام، بينما يزداد توحش الإرهاب والتطرف ويحصد عقول شبابنا، تنامون داخل القاعات وتنام كلماتكم بين سطور التوصيات والأبحاث، وعلى أرفف يملأها التراب، بينما يجلس الشباب أمام شاشات الكمبيوتر أسيرا لأفكار جماعات استطاعت أن تصل إليه وأن تنتهز ضياعه وتشتت ذهنه وفقدانه الأمل والثقة فيكم فعبثت بعقله لتضع فيه إسلاما آخر لم يبعث به سيد الخلق، أو بثت سمومها حول الدين حتى كرهه وعرف طريق الإلحاد، بينما أنتم تنمقون بياناتكم وتوصياتكم، تشغلكم السياسة والسعى لإرضاء السلطة أو الدخول فى معارك فكرية وفقهية أطلق عليها أحد العلماء مصطلح «فقه المراحيض»، تهتمون بإغلاق الزوايا ولا تدركون أن للتطرف والإرهاب والإلحاد باب أوسع يدخل منه ليحشد شبابنا اليائس والضائع.
مشايخنا الكرام إسلامكم الوسطى الذى تتحدثون عنه فى بياناتكم ومؤتمراتكم التى لا يراها غيركم لم يصل إلى إسلام يكن ومحمود الغندور وغيرهما من شبابنا الذى ارتمى فى أحضان داعش أو غيره من الجماعات المتطرفة، وجدوا بديلا عنه أفكارا زائفة، وإسلاما مزعوما خدعتهم به جماعات تقوى بينما أنتم تضعفون، تعرف مداخلها إلى عقول الشباب بينما أنتم تجهلون، يعرفون لغتهم بينما بلغات القرون الوسطى تتحدثون، مشايخنا الكرام ذنوب شبابنا المغيب قاطع الرقاب أو تارك الإسلام إلى الإلحاد معلقة فى رقابكم، حتى تخرجوا من شرنقة المؤتمرات وسجن الأوراق والبيانات، وتتحرروا من أسر فقه المراحيض، والنوم على المنصات وفى قاعات المؤتمرات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة