كانت كوكب الشرق أم كلثوم التى نحتفل بذكرى مرور 40 عاما على رحيلها عن دنيانا «جيش غنائى» فى ذاتها وليست مجرد مطربة غنائية يذكرها تاريخ الغناء فى مصر فى سطور قليلة ضمن مئات الأصوات الغنائية فى مصر.. هى حالة خاصة احتلت- ومازالت- منطقة ومكانة خاصة بها هى المنطقة الكلثومية الممنوع الاقتراب منها، ولذلك فهى الكوكب الذى مازال ينير سماء الأغنية العربية حتى الآن رغم الرحيل الذى يقترب من نصف قرن، ومازال الشعب الذى تغنت به وله ينام ويصحو على ضفاف صوتها الكلثومى، يفرح ويتألم ويتعذب ويتوهج مع كل لحن عاطفى لها، ثم يقف وينتفض ويعلن «حى على الكفاح والجهاد» مع أغانيها الوطنية التى قادت أمة بكاملها من المحيط إلى الخليج إلى رفض الهزيمة وتحطيم جدران اليأس إلى براح النصر والعزة والكرامة والشموخ والتحدى والإصرار.
كان حظ الزعيم عبد الناصر من السماء فى وجود صوت أم كلثوم مع صوت حليم إلى جانب باقى الأصوات المبهرة لفنانى مصر والعرب، فهؤلاء كانوا الجنود الحقيقيين فى معركة البناء والتنمية ومعركة التحرير ونفض غبار اليأس والهزيمة وفى حشد جموع الشعب خلف دولته وقيادته وشحذ الروح المعنوية له، وكان حظ هؤلاء- وخاصة أم كلثوم- أيضا من السماء فى وجود زعيم يعى ويقدر ويتفهم قيمة الفن ودوره فى معاركه المختلفة فى حلم البناء والتنمية وفى وقت الحرب والتضحية والتحدى. كانت أم كلثوم هى خط الدفاع الأول والجيش الأكبر فى المعركة بصوتها وخاصة فى الهزيمة التى أصابتها لأيام قليلة بالاكتئاب، وقررت اعتزال الغناء بعد هجوم باهت من السفهاء ضدها، لكن الزعيم الفنان الفاهم لدور الفن يعاجل بالاتصال بها، ويهدئ من روعها، ويلقى بالمسؤولية فوق عاتقها وعاتق رفاقها، فتخرج على الفور من عزلتها الوقتية وكآبتها لتصدح لملايين المصريين والعرب بكلمات عبدالوهاب محمد وألحان الأسطورة رياض السنباطى «سير بايمان وبروح وضمير.. دوس على كل الصعب وسير» بصوت يملؤه الحماس والأمل لينتقل هذا الإحساس الكلثومى الفريد إلى باقى أفراد الشعب، ويستمر غناء أم كلثوم التى وهبت مجهودها للمعركة ويغنى معها الشعب ويحارب ويخوض معارك الاستنزاف وصولا للنصر.
هكذا كانت العلاقة بين الرئيس وأم كلثوم، وهى العلاقة التى كانت أيضا من حسن حظ مصر والشعب العربى بأكمله.