لا أعرف لماذا لم تنظم وزراة الثقافة احتفالية ضخمة تليق بأم كلثوم بمناسبة ذكراها الأربعين التى مرت أمس؟ ولا أدرى إلى متى سنظل نتعامل مع الرموز المضيئة فى تاريخنا القريب باستخفاف مريب؟ ألا يدرك المسؤولون عندنا ماذا قدمت كوكب الشرق للغة العربية؟ ألا يعلمون أنها أسهمت بنصيب وافر فى إحياء اللغة الفصحى الجميلة وإشاعتها على ألسنة الناس؟
أكاد أجزم أن فضل أم كلثوم على اللغة العربية الفصحى يفوق كثيرًا ما يفعله مجمع اللغة عندنا وعند غيرنا من الشعوب التى تتحدث العربية، فقد أسدت كوكب الشرق خدمات جليلة للغة المستباحة هذه الأيام.
عندما غادرت قريتها وهبطت أرض القاهرة فى عام 1923 شدت بقصيدة «الصب تفضحه عيونه»، وسرعان ما كان للشعر الفصيح مكانة مرموقة فى أجندتها الغنائية، حتى يمكن القول إنه ما مر عام إلا وترنمت كوكب الشرق بأكثر من قصيدة مصوغة بالفصحى.
لا ريب فى أن المناخ الذى أعقب ثورة 1919 هو الذى جعل أم كلثوم تحتفى بالشعر، وهو الذى دفع المصريين إلى استقبال أغنياتها الفصحى بكل ترحاب وإعجاب، فهذه الثورة العظيمة أخرجت الملايين من ظلمات العصور الوسطى بأفكارها المتخلفة إلى أنوار الزمن الحديث بعلومه وآدابه وفنونه وقوانينه، وقد استجابت أم كلثوم بموهبتها الخارقة إلى هذا التحول الخطير فى حياة المصريين، وترجمته باختياراتها الفنية.
فى جعبتى العديد من القصائد التى ترنمت بها السيدة الأولى فى دنيا الغناء والطرب، سأذكرك ببعضها لتدرك الفوائد الجمة التى أهدتها إلى اللغة الفصحى. خذ عندك: (سلوا قلبى/ سلوا كؤوس الطلى/ قصة الأمس/ أغار من نسمة الجنوب/ ولد الهدى/ رباعيات الخيام/ أراك عصى الدمع/ مصر التى فى خاطرى/ مصر تتحدث عن نفسها/ على باب مصر تدق الأكف/ حانة الأقدار/ الرضا والنور/ الأطلال/ هذه ليلتى/ أصبح عندى الآن بندقية/ أغدا ألقاك.. وغيرها).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة