ما بعد حرق معاذ الكساسبة تتبقى أشياء غير الدموع:
1 - آن أوان وقوف البخارى وكتب التراث أمام القضاة، قضاة التحقيق، والتنقيب، والتنقية، فلم يعد البخارى ومراجع السيرة والأحاديث مجرد كتب تضم بين أغلفتها سنة النبى محمد عليه الصلاة والسلام، بل أصبحت صندوقا سحريا يلجأ إليها المتطرفون والمتشددون للحصول على مبررات وإجازة شرعية لجرائمهم.
فى البدء استخدمها الإخوان لتبرير استخدام الألفاظ القبيحة والشتائم غير العفيفة ضد خصومهم، واستعانوا بأحاديث نبوية وقصصا من السيرة لتبرير فعلتهم، ثم استخرجوا من بطن نفس الكتب بعضا من الأحكام الفقهية والأحاديث لإجازة قتل الجنود، ثم لعب أهل داعش فى تأويلات بعض الآيات والأحاديث والقصص النبوية لإجازة تجارة الرقيق، وسبى نساء العراق، وذبح المخالفين لهم فى أرض سوريا والموصل، والآن ها هم يلجأون لنفس الكتب، ويستخلصون من بين سطورها قصصا عن سيدنا أبو بكر وعدد من الصحابة للتأكيد على حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة أمر شرعى ودينى.
مع ظهور هذه الآيات والأحاديث وقصص السيرة التى لا ينكرها شيوخ الاعتدال الإسلامى، ويتخاذلون عن تنقيتها أو ردها أو الحسم فى تكذيبها، يصبح من الطبيعى جدا أن تظهر الرسوم المسيئة، وأن يتعجب الغرب من استنكار المسلمين لها، وهى مستوحاه من الكتب التى يقول البعض: إنها مقدسة ولا يجوز الاقتراب منها بالنقد والتفنيد والتنقية.
2 - الإسلام الآن يتعرض لأكبر حملة تشويه فى تاريخه بيد أبنائه، الدين الذى ظل أهله لعقود يرسمون له صورة رسالة الرحمة والسماحة، يستخرج بعض من أهله فتاوى تجيز الحرق والذبح والقتل لخصومهم، ومعركة استعادة الإسلام من يد هؤلاء هى فى الأصل معركة بين فريقين، فريق يرفع شعار النقل ويكره الاجتهاد والتفكير، وفريق يرفع شعار العقل ويدعو للنقد والتنقية والتفنيد، وآن أوان الاختيار، إما أن تعترف بأن ما تقوله كتب التراث والسلف وشيوخهم المتطرفون صحيحا وواجب التطبيع حرفيا، وبهذا تنضم لأهل داعش ومن معهم ولا يجوز أن تستنكر فعلتهم، وإما أن تقول مثلما يقول بعض الإخوان المسلمين:إن ما تستند إليه داعش من فتاوى وأحاديث وآيات صحيحا وواجبا شرعيا، ولكن ظروف تنفيذه غير متوافرة حاليا، وفى هذه الحالة أيضا أنت متطرف داعشى فى انتظار التوقيت المناسب للإفراج عن حقيقتك، والخيار الأخير الذى يخشى شيوخ الاعتدال إعلانه بصراحة، أن ما تستند إليه داعش ربما يكون صحيحا، ولكنه صحيح فقط وقت حدوثه، ابن بيئته وتاريخه وزمنه، ولكنه لا يناسب أبدا زمننا وعصرنا وهنا تسقط أحكام وجوبيته.
3 - يقول بعض أهل الاعتدال من شيوخ الإسلام: إن الفتوى التى استندت إليها داعش فى إعدام «الكساسبة»، واستدلالها على شرعية الحرق بما فعله سيدنا أبو بكر وخالد بن الوليد من حرق بعض خصومهم، فتوى فاسدة، لأنها استندت إلى روايات مكذوبة، ورواية إحراق سيدنا أبى بكر الصديق لـ«الفجاءة السلمى» رواية باطلة، لأن سندها على «علوان بن البجلى» وهو رجل مطعون فى روايته، وقال الشيخ الحبيب على الجفرى:إن الحافظ نور الدين الهيثمى قال فى مجمع الزوائد:إن هذه الرواية التى يستخدمها الدواعش فى تبرير الحرق «رواها الطبرانى وفيها علوان بن البجلى وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه».
وكلما فتشت فى كتب التراث، ستجد ألف ألف مثل لـ«علوان البجلى»، كاذب ولا يتمتع بالثقة، ومع ذلك تجدهم يتقولون عن النبى عليه الصلاة والسلام، بروايات لا تتماشى مع العقل، ولكنها تلقى استحسانا فى عقول لا تؤمن بهذا الدين بقدر ما تؤمن بأنه وسيلة يركبونها لتحقيق أهدافهم ومصالحهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة