"عتبات الشوق" رحلة فى حب مصر لـ"شعيب حليفى" عن "الهلال"

الخميس، 05 فبراير 2015 01:27 م
"عتبات الشوق" رحلة فى حب مصر لـ"شعيب حليفى" عن "الهلال" غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذكر ابن خلدون فى كتابه (كتاب منتهى العبر) أن بعض ملوك المغرب سأل بعض العلماء ممن حجّ عن مصر فقال له: أقول لك فيها قولا وأختصر، من المعلوم إن دائرة الخيال أوسع من دائرة الحس، فغالب ما يتخيله الإنسان قبل رؤيته إذا رآه وجده دون ما يتخيله ومصر بخلاف ذلك؛ كل ما تخيلته فيها، فإذا دخلتها وجدتها أكثر من ذلك".

جاء ذلك فى كتاب ""عتبات الشوق: من مشاهدات الرحالة المغاربة فى الإسكندرية والقاهرة"، للباحث المغربى الدكتور شعيب حيلفى، والصادر عن سلسلة "كتاب الهلال" فبراير 2015 ويمكن اعتبار الكتاب سجلا لرؤى وانطباعات الرحالة المغاربة عن مصر خلال القرون العشرة الأخيرة.

ويسجل المؤلف فى المقدمة أنه قبل مجىء الإسلام، ارتحل المغاربة الأمازيغ فرادى وجماعات فى علاقات ما زالت آثارها مع المصريين، وتقوّت بآصرة العلم والدين مع وصول الإسلام الذى حقق ما كان مُفتقدا، فكان الفقهاء والعلماء يشدّون الرِّحال إلى مصر، قلب الشرق العربى، طلبا للعلم والاختلاط بالعلماء لسنوات قبل العودة إلى مراكش وفاس، أو البقاء الأبدى هناك، وهى سُنة جرت على مرِّ القرون، خصوصا مع تنظيم الحج المغربى إلى الحجاز ومروره على محطة استراتيجية هى مصر.

كما كانت لمبادرة فقيه مغربى فى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى من مدينة آسفى، اسمه محمد أبو صالح، أهمية بداية تنظيم الرحلة عبر مصر فى ركب نبوى معلوم، ومن خلال نقط وزوايا معمورة لضمان أمن وسلام الحجيج المغربى من المغرب إلى مصر، أو أولئك الذين اختاروا الرحلة من الأندلس، وكلها رحلات هدفها الظاهر أداء الحج، غير أن الرحالة غالبا ما يجد فى السفر فرصة للإبداع والاكتشاف فيتحول إلى أداء شعيرة أخرى فى عبوره الذى لا يخلو من حكايات وعِبَر، خصوصا فى مصر، بالإسكندرية والقاهرة، باعتبارها محطة متعددة المنافع تختزن من المفاجآت ما يُليِّنُ النفس.

وقد سجل المؤرخون والرحالة والشعراء استكمال الاحتفالات بعد التقاء الركب المغربى والمحمل المصرى واستعدادهما للخروح فى رحلة مقدسة نحو الحجاز؛ فأبدع شعراء الملحون نوعا مخصوصا لهذا الحدث أسموه "المرحول"، كما أبدع شعراء الفصحى بقصائد تسرد ارتحال النفس وأشواقها.

وبمضى الزمن تكونت عائلات مصرية من أصول فاسية ومراكشية وطنجية، وأحياء ومساجد وأوقاف مغربية مخصصة للزوايا كما سيذكر أبو سالم العياشى وهو بالإسكندرية، معتبرا زاوية محمد أبو صالح، واحدة من المزارات التى يقيم بها المغاربة أثناء عبورهم. وخلال عشرة قرون، منذ وصول ابن العربى المعافرى فى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى (1092) أو الغرناطى، بعده بقليل، ثم ابن جبير الذى وصل الإسكندرية يوم 26 مارس 1183 وتدوينه لمشاهداته. لم يخلُ قرن من كتابات مغربية عن مصر بإسكندريتها وقاهرتها، بأشكال مختلفة تُعبّر فى محصلتها عن الشغف بمصر، وهو ما سيؤكده العياشى فى شهادة بليغة على لسان ابن خلدون.

وقد سجل العشرات من المؤرخين والعلماء والفقهاء والرحالة مُشاهداتهم بصدق وعفوية ومحبة، وقد لامسَ وجدانهم وعقلهم فى تجارب حياتية فريدة، عبروا إليها برّا أو بحرا، فجاءات كتاباتهم برؤيتين متقاطعتين:

الأولى: سياحية فى معالم الإسكندرية بمنارها ومرساها وباقى عمرانها؛ وفى القاهرة بحر النيل والجامع الأزهر والأهرامات والمساجد والخوانق والزوايا والمدارس والسلاطين والطوائف والحياة العامة.

الثانية: ثقافية وعلمية من خلال اللقاء بالعلماء والفقهاء والمشايخ وزيارتهم والأخذ بإجازاتهم ومحاورتهم والمشاركة فى المناظرة والدروس والقضاء، واقتناء الكتب ونسخ النفائس منها، وزيارة الأولياء والمزارات.

ويقول حليفى إن مُشاهداتهم وأوصافهم أصبحت مراجع أساسية للكتابة والتخيل والمقارنة، انطلاقا مما يُولده ذلك الانبهار والشغف بالحياة والمجتمع والحضارة المصرية ومعالمها الروحية والتاريخية. مما حقق صفحة للتثاقف والتفاعل والحوار فى أبهى صورها الخلاّقة، بين ثقافتين أو أكثر، مغربية وأندلسية ومشرقية. وتغطى نصوص الكتاب نحو عشرة قرون، منذ القرن الحادى عشر الميلادى وإلى القرن الحادى والعشرين، تنوب عن القرون السابقة التى ضاعت منا نصوصها أو غلبت معانيها الرحالين فى أسفارهم العنيفة فلم يكتبوها، كما تنوب عن ملايين الحجاج والسياح الزائرين لمدينتى الإسكندرية والقاهرة عبر كل القرون السالفة، ومنذ نهاية القرن السابع الميلادى. إنها تمثيلات فيها من الصدق والعفوية بروح الإعجاب والنقد وحس التثاقف. إنها التاريخ الفعلى للصِّلات الوطيدة، على مرّ التاريخ، بين المغرب ومصر التى تشكلت صورة مشرقة وجسرا للعبور إلى الروح والذات.












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة