يأتى تنظيم داعش بأفعال إجرامية، مثل أن يقتل، أو يذبح، أو يسبى، أو يغتصب، أو يحرق الأحياء، أو يفرض إتاوة على الناس بمسميات عدة، مثل الجزية والخراج والخلافة، ثم يقوم بتصوير كل هذه الأفعال، بتقنية عالية جدا، وبثها على الشبكة العنكبوتية بهدف إلقاء الرعب فى نفوس «الكفرة» كما يظنون.
يتداول الناس التسجيلات المصورة لداعش، ويذيلون التسجيل بتعليقات من قبيل: «فظيع» أو «أصحاب القلوب الضعيفة يمتنعون» أو «أنا مش عارف أتلم على أعصابى بعد ما شوفت الفيديو».. وهنا تحضرنى مقولة أبلة فاهيتا - العميلة - إذ تقول: يا سوسو.
وحشة داعش مش كده؟
تحرق الناس أحياء، لكن ذلك لا يشبه خنق 37 سجينا حتى التفحم، ورأى الناس أن ذلك حسن، تقتل الناس دون جريرة أو ذنب، لكن ذلك لا يشبه قتل أحد أفراد الأمن لسجين مريض فى المستشفى لمجرد أن السجين سب فرد الأمن، سجين، مكبل، ومريض، قال لفرد الأمن: حاقتلك، وهو لا يملك سلاحا، ولا يملك من أمر نفسه شيئا، فكان رد الفعل الطبيعى أن يقتل، ورأى الناس أن ذلك حسن. داعش تعذب الناس وتجلدهم وترجمهم، لكن ذلك لا يشبه تعذيب مواطنا فى القسم حتى الموت، ورأى الناس أن ذلك حسن، داعش تفرض إتاوات، لكنها لا تشبه إتاوات يفرضها أمناء الشرطة على سائقى التاكسى والميكروباصات، ورأى الناس أن ذلك حسن، داعش تسبى النساء وتغتصبهم، لكن ذلك لا يشبه حالات مشابهة يتعرض لها النساء فى الأقسام، ورأى الناس أن ذلك حسن، بل خرجت علينا إحدى الإعلاميات تعلق على واقعة هتك عرض قام بها أحد أمناء الشرطة قائلة: الاغتصاب فى كل حتة فى البلد.. اشمعنى لما الشرطة بتعمله بتتكلموا عنه؟ لأن دى مؤامرة على الشرطة .
داعش تضرب الناس حتى تدميهم، لكن ذلك لا يشبه أن يجتمع الناس على شخص بدعوى إنه أحرق ترام، دون أن ينتظروا نتائج التحقيق، ويتكاثرون عليه ويوسعوه ضربا حتى يدموه، ورأى الناس ذلك حسن.
داعش وحشة لذلك فقد قرر الأزهر أن يبرئ الإسلام من تصرفاتها ويفتى بجواز صلب أفراد داعش وتقطيع أوصالهم، ورأى الناس أن ذلك حسن.
عزيزى المواطن: ألا تنظر فى مرآة ضميرك أبدا؟ أنت تستبشع الجرائم حين ترتكب من جماعة إرهابية، ولا تستبشع ذات الجرائم إذا ما ارتكبت من الدولة، أو إذا ما اقترفها المجتمع، أو مجموعة من المواطنين «الشرفاء»، وهذا أمر غير مفهوم بالنسبة لى!
إذا كنت ترى فى قتل المعارضين وتعذيبهم والتنكيل بهم أمرا مبررا، فلماذا لا تجد نفس التبريرات لداعش؟ من هم أفراد داعش؟ أهم كائنات فضائية هبطت علينا من السماء؟ أم هم مواطنون مثلى ومثلك، نبتوا فى ذات المجتمع الذى نشأنا فيه، وتعلموا ذات القيم التى تعلمناها، ولذلك، فإن تصرفاتهم، فى إطار مجتمعهم الذى طالما يدعو إلى «الشنق فى ميدان عام»، مفهومة. هم لا يرون فى سلوكهم أى ملمح غريب عن سلوكيات مجتمعاتهم التى نشأوا فيها التى ترى فى الضرب والقتل والتعذيب «جدعنة» فى أحيان كثيرة.
عزيزى المواطن، أنت حين تقرأ فى الصحف عن أب قتل ابنته لإنه اكتشف سوء سلوكها تقول عنه: رااااااجل، بل إن القضاء يبرئه، عزيزى المواطن، لو لا قدر الله دخلت على زوجتك فوجدتها مع رجل آخر، ستقتلها وستنال البراءة أمام المحكمة، وسيقول عنك الناس بإنك رجل جدع، المشكلة لا تكمن فى داعش، ولا حتى فى جهاز الشرطة الذى أشرت إليه أعلاه، فداعش، وانتهاكات الشرطة «الفردية»، كلها نتاج قيمك أنت، وعقلك أنت، وأحكامك الأخلاقية، أنت من تخلق هذه الوحوش بقيم بالية توارثتها عن مجتمعات قبلية متخلفة، لا تفهم معنى الإنسانية أو الرحمة، وطالما إن هذه الانتهاكات تخدم أهدافك، فهى «جدعنة»، أما إذا ما تعارضت مع مصالحك ، فتتحول فجأة إلى سومة العاشق حساس الجيل... يا سوسو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة