فى النقاش الدائر فى مصر حول تفعيل مواد الدستور الخاصة بالإعلام، هناك اتفاق على ضرورة استقلال الصحافة القومية، وأن تتحول بشكل حقيقى لاسم على مسمى، أى تصبح فعلا قومية، فلا تكون صحافة الحكومة أو الرئيس، وإنما صحافة الشعب تعبر عن كل مكوناته بلا تمييز، وتعمل بشكل مستقل عن الحكومة، رغم حصولها على دعم من الدولة يخصص بشكل سنوى فى الميزانية العامة لضمان عدم استغلال هذه المساعدات فى توجيه سياسات تحرير الصحف وفى التأثير على استقلاليتها، بما يعنى عملياً الفصل بين الملكية والإدارة والتمويل.
هذا الاتفاق مهم، وأرجو أن يكتب بشكل واضح ومحدد فى القوانين التى ستحدد وظائف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وصلاحيات كل منهم، والحقيقة أن الدستور أكد على استقلال الهيئات الثلاث، لكنه ترك اختيار أعضاء الهيئات الثلاث للقانون، وهنا الخوف من أن يصادر القانون على المطلوب ويترك اختيار الأعضاء إلى الحكومة أو الرئيس، أو حتى لنقابة الصحفيين أو المجلس الأعلى للإعلام، وبالتالى يسيطر على تكوين الهيئات الثلاث وجوه قديمة أغلبها من رجال الدولة أو من المستقلين المستأنسين فى العمل النقابى والإعلامى، لذلك ومع كامل الاحترام للحكومة والرئيس والمجلس الأعلى للصحافة والنقابة، أقترح من الآن اللجوء إلى قاعدة الانتخاب، بحيث ينتخب الإعلاميون فى الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية %75 من أعضاء الهيئات الثلاث على الأقل، ويختار الرئيس والحكومة النسبة الباقية.
قاعدة الانتخاب هى أفضل الأسوأ «أحسن الوحش» فى النظم التى عرفتها البشرية حتى اليوم، ولا بد من إعمالها واحترام نتائجها حتى ولو جاءت بعناصر ضعيفة، لأن درس التاريخ يؤكد أن كل أنواع التمثيل الانتخابى هى عملية تحتاج إلى ممارسة ثابتة ومستمرة لعدة دورات حتى تنجح، وبالتالى لا داعى لرفض الانتخاب لمجرد أن الصحفيين فى بعض الصحف قد مارسوا حق الانتخاب فى عدة صحف بعد الثورة، لكن النتائج لم تكن مرضية، ولو أن الصحفيين «وكذلك الأساتذة فى انتخاب العميد» قد حافظوا على استمرار العملية وتركوها تتطور لكانت هناك نتائج أحسن، وأعتقد أن أى بديل عن الانتخاب سيأتى بنتائج غير مضمونة، وستكون فى الأغلب تكرارا لتجارب الفشل والنهب لمقدرات اتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية.
المدهش أننى كلما دعوت لانتخاب أعضاء الهيئات الثلاث أواجه برفض، وأحيانا استهجانا من أسماء معروفة بخطابها الديمقراطى وتمسكها باستقلال إعلام الدولة عن الحكومة، وتحويله لإعلام خدمة عامة، وأحدث مظاهر الرفض لدعوتى للانتخاب كانت فى مؤتمر كلية الإعلام بالجامعة البريطانية، حيث اتجه النقاش الدائر فى المؤتمر لاختيار أعضاء الهيئات الثلاث، وفق قواعد معينة، أتصور أنها قواعد عامة وتقبل التأويل والتوظيف والاستغلال السياسى، علاوة على الطموح الشخصى والانتهازية أيضاً. الرافضون لآلية الانتخاب يقولون كيف نجرى الانتخاب؟ وما هى ضمانات أن تخرج أفضل العناصر وأكثرها خبرة؟ والإجابة ببساطة أن يقوم العاملون فى الإذاعة والتليفزيون والصحف بانتخاب ممثليهم فى الهيئات الثلاث، مرة كل ثلاث سنوات، وهى عملية سهلة وغير مكلفة، ويمكن أن تجرى خلال يوم أو حتى يومين، أما مسألة أفضل العناصر وأكثرها خبرة، فهى مقولة حق يراد بها باطل، لأن الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية والنقابية فى مصر والعالم قد تخرج أسوأ العناصر وأقلها كفاءة، وبافتراض حدوث ذلك فمن حق الجمعيات العمومية سحب الثقة من العناصر السيئة، وتغييرها قبل إكمال دورتها أو الانتظار ثلاث سنوات ورفض العناصر السيئة، أما مسألة الخبرة فهى مردود عليها، حيث يوجد آلاف الإعلاميين فى مصر من كبار السن، ممن تتوافر لديهم خبرات هائلة وقدرة على العمل والعطاء، وهؤلاء على استعداد لتقديم الخبرة للأعضاء المنتخبين، والذين أطالب بءن يكون نصفهم على الأقل من الشباب أقل من 40 سنة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة