شفت المشهد فى الجرن الكبير.. زحام مالوش مثيل.. البل «الإبل» تملأ الأرض حتى إنك لو رششت الملح لا ينزل.. وحزم «قتاتى جمع قتاية»، الدريس «البرسيم الجاف» يتم تفكيكها «نفشها»، والجمال تلتهم العليقة الجافة، وأنا واقف مع بقية العيال نرقب الأحوال ونساعد من بعيد لبعيد فى إحضار الشاى والسكر والقوالح «القلب الجاف لكيزان الذرة بعد تفريطها»، ومنا من يجرى لإحضار الدخان اللف والمعسل كى يحظى بشحاتة شوية لب أو حبة كراملة من الحاج عبدالله البقال!
كان عمى الأصغر الحاج إبراهيم قد اتجه للمتاجرة فى الإبل أى الجمال، لفترة ما، وكان فرعنا من الجمالين يحب الفلاحة ويحترفها، ويبادر لاقتناء أجود أنواع البهائم من جاموس وبقر إناثا وذكورا، وكذلك الحمير والجمال ولفترة ما الخيل، وإلى جانب اقتنائها بمواصفاتها المعيارية المثلى، كانوا يجيدون أيضا تشخيص أمراضها وكيفية علاجها وآخر العلاج هو الكى بالنار!
وتأصلت ثقافتى السماعية حول تلك المواصفات، حيث يكون قرن الجاموسة قصيرا وجلدها فاتحا ومثلث الحوض كبيرا ليتسع للجنين والضرع سليما والأظلاف متساوية وملمومة.. وطبعا حضراتكم تعرفون الفرق بين الظلف وبين الحافر.. فالأول للحيوانات المجترة التى يحل أكل لحمها كالبقر والجاموس والماعز والضأن، وهو مشقوق لنصفين أما الحافر فهو للحمير والخيل والبغال وبقية العائلة وغير مشقوق.. أما الجمال أى الإبل فلها أخفاف جمع خف، وهو أيضًا فيه شق!
وكما أن للجاموسة الولادة والحلابة مواصفات، فللبقرة كذلك وللجمل أيضا مواصفاته وطريقة فحصه.. وكثيرا ما كنا نتلقى السؤال المباغت لو رحت للسوق تشترى جملا كيف تعرف هل هو أعمى أم لا؟ وكيف تعرف أنه يستطيع حمل الأحمال الثقيلة، وكيف تعرف عمره؟! وتأتى الإجابة المحفوظة عن ظهر قلب: اقترب بالعصا من عينيه فإذا حرك أجفانه ورمش وأغمض عينيه يكون بصيرا، وإذا لم يكون أعمى!
ثم أنيخه «أجعله يبرك» وأعس عرقوبيه لأعرف مدى تماسكهما تحت قبضة يدى ثم أنهضه مرة ومرتين، ثم أفحص القرص الموجود أسفل بطنه هل هو سليم أم متشقق، وعن عمره أفحص أنيابه لأعرف هل كانت طويلة ثم قام بائعه بقصها وتسويتها بالمبرد ليبدو صغير السن أم هى على طبيعتها !
ثم يعقبه السؤال: طيب والحمير والخيل؟ وتأتى الإجابة لتصف بالتفصيل شكل الأذنين وهل هما مرفوعتان أم مرتخيتان، وشكل الجبهة والخطم ثم التقاء الساق بالحافر أى «القيد» ثم الحافر نفسه.. وبعدها مثلث الكفل أى التقاء الظهر بالمؤخرة وشكل الظهر نفسه ثم شكل الذيل!
وتستمر الأسئلة التى تلقى كل فترة كما هو التلقين فى الجيوش!، لتكون آخر جولة هى أسئلة الكى!!.. كيف تحمى المسامير الحدادى ذات الرؤوس الكبيرة على النار حتى تحمر؟ وإذا كان العرض هو الإسهال أو هو عدم القدرة على التهام العليقة أو مياه بيضاء على العين، فأين تكوى الجمل وما شكل الكى.. حلقة أم محجال أم كلاهما معا؟!
وللحديث بقية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة