قرية "البرادعة" تغرق فى الصرف الصحى.. فناء المدرسة يتحول إلى بركة مجارى.. وحالات إغماء بين الأطفال.. جثث الموتى تعوم فى مياه الصرف عقب تسرب المياه إلى المدافن.. والتشققات تهدد بانهيار المنازل

الأربعاء، 11 مارس 2015 07:16 م
قرية "البرادعة" تغرق فى الصرف الصحى.. فناء المدرسة يتحول إلى بركة مجارى.. وحالات إغماء بين الأطفال.. جثث الموتى تعوم فى مياه الصرف عقب تسرب المياه إلى المدافن.. والتشققات تهدد بانهيار المنازل مياة الصرف الصحى بقرية البرادعة
كتبت آية نبيل - تصوير ماهر اسكندر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يشفع إصابة 1500 مواطن من قرية البرادعة التابعة لمدينة القناطر الخيرية عام 2009 بمرض التيفود أمام المسئولين لوضع حد نهائى لمعاناة القرية مع مياه الصرف الصحى، لم يأخذ الأهالى من المسئولين سوى الوعود البراقة والزيارات الدعائية ومنها وعد وزير الإسكان بإنشاء محطة للصرف الصحى، وجاء محافظ القليوبية يؤكد أمامهم أن الاعتمادات المادية لن تحول أمام عودة القرية لآدميتها، وتبارى الجميع فى إعلان دعم الرئيس المخلوع مبارك شخصيًا للقرية.

6 سنوات مرت على البرادعة ولم يتغير شىء سوى إلى الأسوأ، فالقضية لم تعد مجرد اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحى كما حدث فى 2009، بل أصبح الحال أقرب للعيش فى مياه المجارى.
	أهالى القرية خارج منازلهم هربا من الرائحة الكريهة لمياه الصرف - 2015-03 - اليوم السابع

أهالى القرية خارج منازلهم هربا من الرائحة الكريهة لمياه الصرف



"اليوم السابع" زار القرية بعد استغاثة الأهالى من غرقهم فى مياه الصرف الصحى منذ شهر، لترصد برك المياه التى لم تكن تغطى الشوارع والمنازل فقط، بل امتدت إلى المدرسة ومركز الشباب وحتى المقابر التى لم يرتاح ساكنوها فى الدنيا والآخرة، الغريب فى الأمر أن الوصول إلى القرية كان قبل أن تطأ أرضها أقدام أى مسئولين عنها، والذين بمجرد أن علموا بوصول الإعلام إلى الأهالى أرسلوا سيارة "ونش" لردم المياه، بل لم تمر الساعة حتى زار نائب رئيس مجلس المدينة القرية.

مدرسة الترب



كيف نذهب إلى قرية البرادعة؟ كان السؤال الذى طرحناه لأحد المارة الذى شرح الطريق مستبدلا اسم القرية بـ"الغرقانة" دلالة على غرقها فى الصرف الصحى، فى موقف السيارات الخاص بالقرية، بدأ الزحام فى الشوارع بشكل غير الطبيعى، فالجميع نزح من بيته إلى الشارع هربًا من رائحة "المجارى" المتراكمة خلف جدرانه حتى ولو كان البديل الغوص فى برك مياه الصرف فى الشوارع وتحولها فى بعض الشوارع إلى تلال من الطينة عقب ردم المياه بالتراب.

لم يقتصر الهرب على الأهالى فقط بل هرب طلاب مدرسة البرادعة أيضًا من الفصول إلى الشارع، والتى باتوا يسمونها "مدرسة الترب"، فسر الأمر أحد الطلاب قائلا "حوش المدرسة غارق بقاله شهر بمياه المجارى وحول رائحة الفصول إلى رائحة الترب"، كان الوصول إلى المدرسة صعبًا، فالطينة تغطى جانبى الشوارع وتملأ ساحات ميدان القرية، أقدام الطلاب مغطاة بها، منهم من لجأ إلى رفع بنطاله لكن ذلك لم يحول عن تلوث قدميه بالطين المشبع بمياه الصرف، آخرون لم يأبهوا لذلك وكانوا يغوصون فى المياه كمن اعتاد على ذلك.

أمام بوابة المدرسة لم تكن مرت سوى لحظات على سيارة "ونش" جاءت إلى القرية عقب علم المسئولين بوصول استغاثة الأهالى إلى الإعلام، تقتصر السيارة على تسوية تلال "الطين" المتراكم، وردم المياه بالأتربة، كان مدير المدرسة والمدرسون فى الفناء يتابعون العملية قبل أن يدخلوا فى مشادة مع الأهالى بسبب رفضهم لتصوير وضع المدرسة من الداخل.

رائحة الموت



الرائحة الكريهة التى استنفر منها الأطفال خارج المدرسة والتى أدت إلى سقوط حالات إغماء يوميًا فيما بينهم كانت أبسط الكوارث داخلها، فالمياه تغرق جنبات الفناء والممرات، ارتفاع الفصول عن الأرض هو الحائل الوحيد الذى جنب وصول المياه إليها، على أسوار المدرسة جلس الأطفال، يقول أحدهم إنه الجزء الآمن الوحيد أمامهم بدلا من الغوص فى "طينة المجارى".

"المدرسين بيمنعونا من نزول الحمامات لأنها غرقانة بمياه المجارى والمدرسة قافلاها، ولما العيال بتزنق بيقولولنا اعملوا على نفسكم" يقول حازم لأحمد بدر الدين، طالب بالصف الخامس الابتدائى، مضيفا "نص المدرسة مش بتروح بقالها شهر، ولو حد تعب فى الفصل المدرسين بيسيبوه يروح، إحنا بقالنا شهر مش بنستفيد من المدرسة يلغوها أحسن".

فى مدرسة البرادعة على حد قول الطلاب، لا يوجد "فسحة"، لا يوجد "حصة ألعاب"، لا يوجد "مياه للشرب"، يتدخل محمد، ثانية ابتدائى، قائلا "الأكل والشرب ريحتهم مجارى، والمدرسة قالتلنا اللى يتعب ميجيش".

الصرف يغرق الأحياء والموتى



لا يبعد مركز شباب القرية عن المدرسة كثيرًا، ولم يختلف المشهد فيه أيضًا، فالمياه تغطى أرجاء المركز الذى لم يعد يحمل سوى لافتة، محمود، أحد شباب القرية، قال إن المركز مغلق منذ عام لتفاقم أزمة مياه الصرف التى لا تنقطع عنه.
	مشادات حادة بين الأهالى و مدير المدرسة الذى كان يحاول منع التصوير - 2015-03 - اليوم السابع

مشادات حادة بين الأهالى و مدير المدرسة الذى كان يحاول منع التصوير



أما الشوارع حدث ولا حرج، فلا يوجد أى منطقة تستطيع أن تطأ بقدمك فيها دون أن تتلوث بمخلفات الصرف الصحى، إحدى السيدات المسنة، وقفت على باب منزلها تبكى، أوضحت أنها لا تستطيع الخروج من المنزل لتراكم مخلفات الصرف الصحى التى تحولت إلى "طين" أمام منزلها، تتزايد يوميًا لدرجة أنها لم تخرج منها منذ أسبوع، تعيش وحيدة، يقضى أطفال القرية لها حاجاتها لعدم قدرتها على السير فى الشارع، بينما ظلت أخرى تصرخ بانتشار الذباب والناموس والحشرات فى المنازل، وتدخلت أخرى مؤكدة أن كل أطفال القرية مصابون بالحساسية والأمراض الصدرية نتيجة مياه الصرف التى تنزح كل يوم فى المنازل.

واكتمل عبث المشاهد بقيام عامل الدفن فى مقابر القرية بإلقاء طوبة فى فتحة إحدى المقابر لتنفجر المياه مندفعة من هذه الفوهة، يشير سعيد حسين، إليها ويعلق قائلا "جثث الموتى بتعوم فى المياه، وعند استقبال جثة جديدة، بنجيب عربية كسح لسحب المياه ونردم تراب داخل المقبرة وندفن المتوفى، لكن بعد فترة تمتلئ المقبرة من جديد بالمياه، وليس فى يدنا أى حيلة".

من أوقف استكمال وحدة الصرف الصحى؟



فى 2010، أعلنت محافظة القليوبية عن عمل شبكة للصرف الصحى فى القرية، وذلك عقب أن أصبحت أزمة تفشى التيفود فى القرية حديث الساعة، يقول حازم صقر، رئيس مجلس إدارة جمعية شباب البرادعة لتطوير القرية: "إن العمال نزلوا بالفعل إلى القرية وقاموا بتركيب مواسير الصرف الرئيسية وبناء غرف التخزين، لكننا فوجئنا بعد فترة بتوقف إنشاء الشبكة وانسحاب العمال، وحينما سألنا أخبرونا (مفيش إمكانيات مادية)".

بعد أن سحبت الدولة يدها من القرية، بدأ الأهالى فى اللجوء إلى الجهود الذاتية، أمد كل منهم وصلة "غير شرعية" من المواسير التى لم تكتمل إلى منزله، ومن ثم أمدوها إلى "ترعة الرشاح" وهى إحدى الترع الخاصة برى الأراضى.
احد المدرسين يجرى خلف الطلاب بالعصا لإخراجهم خارج المدرسة - 2015-03 - اليوم السابع

احد المدرسين يجرى خلف الطلاب بالعصا لإخراجهم خارج المدرسة



يستكمل حازم قائلا "وصلات الأهالى بدائية ومع الوقت بدأت فى الانكسار والانسداد، أصبحت البيوت تعوم على مياه الصرف، التى تطفح إلى الخارج فى كل المنشآت بالقرية، ناشدنا كل المسئولين بلا جدوى، أخبرناهم أن يعطونا الرسومات الهندسية لمحطة الصرف التى لم يتم استكمالها والأهالى يتكفلوا بها على حسابهم الخاص، رفضوا، منذ 4 شهور، أعلنوا عودة بناء مشروع انشاء المحطة، لكن وفقا لتصريحاتهم يحتاج نقل المعدات إلى القرية إلى بناء كوبرى أولا، وهو ما يحتاج إلى الانتظار حوالى 4 سنين مقبلة قبل أن يعمل الصرف الصحى فى البلدة"، يضيف "الأمراض تنتشر بين مواطنى القرية وإذا امتد الوقت أكثر من ذلك سيكون الموت هو مصير الجميع".

أوضح حازم أن الأهالى تكفلوا بإنشاء المعهد الدينى بالقرية بما يقرب 3 ملايين ونصف، كما أنشأوا مكتبًا للبريد ووحدة إسعاف تكلفت ما يقرب من نصف مليون جنيه، وأنهم قادرون على تحمل نفقات المحطة لأن الصرف هى أكبر المشكلات التى يواجهونها.

يصل تعداد قرية البرادعة إلى 30 ألف مواطن، وهى من أكبر القرى التابعة لمحافظة القليوبية. واتهم أسامة أحمد، مهندس بشركة الكهرباء، وأحد أهالى القرية، مسئولى مجلس المدينة والوحدة المحلية والمحافظة بالتقاعس، وأكد أن الأهالى لا يصدقون الوعود التى يسمعونها منهم منذ عدة أشهر، مشيرًا إلى أن تفاقم الأزمة فى القرية وضغط الأهالى حاليًا يشبه ما حدث فيها فى 2009 حينما تفشى التيفود، وأن المسئولين وقتها أطلقوا الوعود لتهدئة الرأى العام مثلما يحدث حاليًا، وأضاف "تحججوا وقتها بضعف الإمكانيات رغم أنهم بعدها أوصلوا الصرف الصحى إلى قرية بهادا الملاصقة لنا والمشتركون معها فى مياه الشرب والمواصلات، لأنها قرية عمرو موسى أما إحنا لأن معندناش مسئول مهم، قالوا مفيش فلوس".

حينما تولى إبراهيم محلب رئاسة الوزراء، توقع الأهالى فى القرية أن يتم حل مشكلاتها، لإشاعة منتشرة بينهم بأن عددًا من أقاربه يعيش فيها، أمر نفاه أحمد محمود عقل، مدير بوزارة التربية والتعليم، موضحًا أن محلب كان يملك قطعة أرض بالقرية وباعها منذ فترة طويلة، معلقًا "الناس بتتمسح فيه عشان نفسها الصرف يدخل".

مجلس المدينة: سنحل الأزمة قريبًا



عقب قدومها إلى القرية تجمع حولها الأهالى، أحدهم صاح قائلا "إحنا مش بنشوفكم غير لما الإعلام بييجى القرية، أنتوا فين من شهر"، ردت عليه قائلا "إحنا هنا كل يوم جمعة"، رد آخر قائلا "مش حقيقى، إحنا بقالنا شهر فى الأزمة ومحدش عبرنا من المجلس".

هكذا كانت بداية قدوم الدكتورة عزيزة السيد، نائبة رئيس مجلس مدينة القناطر الخيرية، إلى القرية لرصد أزمتها، والتى بررت تأخر حلها بأن المجلس يسرى فى إجراءات إنشاء محطة، وأوضحت أنها تولت المسئولية شهر مايو الماضى وأنها ليس لها علاقة بما يحدث من قبل، وأضافت "الأزمة مستمرة فى القرية لأن الأهالى قاموا بتوصيل وصلات صرف غير شرعية، ولم تحتمل الضغط عليها، أنا عارفة إنهم مضطرين، لكن المجلس تحرك فورا حينما توفرت الإمكانيات المادية، وعملنا المجسات فى الأرض، واخترنا موقع المحطة، وقريبا سنحل الأزمة".

نقاشات عزيزة مع الأهالى لم تصل إلى شىء، ففى النهاية مجلس المدينة لا يقدم للأهالى حلاً سوى إرسال سيارات كسح للمياه فى الشوارع كلما تفاقمت الأزمة، بينما تبقى لهم الأمراض والرائحة الكريهة.

عربة الكسح داخل المدرسة تحاول ردم مياه الصرف بالتراب - 2015-03 - اليوم السابع

عربة الكسح داخل المدرسة تحاول ردم مياه الصرف بالتراب





	الأطفال يتسلقون سور المدرسة بعيدا عن تكومات مياه الصرف فى فناؤها - 2015-03 - اليوم السابع

الأطفال يتسلقون سور المدرسة بعيدا عن تكومات مياه الصرف فى فناؤها



	أحد الطلاب يرفع بنطاله حتى لا يتلوث بمياه المجارى اثناء عودته من المدرسة - 2015-03 - اليوم السابع

أحد الطلاب يرفع بنطاله حتى لا يتلوث بمياه المجارى اثناء عودته من المدرسة



طالب ذهب الى المدرسة ب

طالب ذهب الى المدرسة ب " الترنج " حتى لا يتلوث زى المدرسة



الغوص فى مياه الصرف اثناء الرحلة اليومية للمدرسة - 2015-03 - اليوم السابع

الغوص فى مياه الصرف اثناء الرحلة اليومية للمدرسة



أحد اهالى القرية يرتدى

أحد اهالى القرية يرتدى " بوت " للقدرة على المرور بين مياه الصرف



سيدة مسنة لا تستطيع الخروج من المنزل بسبب تكومات الصرف الصحى امامه - 2015-03 - اليوم السابع

سيدة مسنة لا تستطيع الخروج من المنزل بسبب تكومات الصرف الصحى امامه




موضوعات متعلقة..


محافظ الأقصر يأمر بإنهاء مشروع الصرف بمركز الزينية خلال 9 أشهر








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة