تحذير.. بعض من الكلمات القادمة ربما يكون مكررا، وربما لا يفهمه ولا يستوعبه سوى هؤلاء الذين تربوا على إعلانات التليفزيون فى منتصف التسعينيات.
هل تعرف فاطمة نجمة الإعلانات الغامضة؟.. تعالى أقولك:
هل تذكرون فاطمة التى كانت كلما سألها أحدهم رايحة فين يا فاطمة؟.. تقول ببساطة بأنها رايحة تجيب أومو! أعرف أن ذاكرة المصريين ضعيفة، ولكن حينما يتعلق الأمر بمشوار الأخت فاطمة اللى كانت رايحة تجيب الأومو، فلن ينسى المصريون فاطمة، ولا أمها، ولا حتى السيد «أومو» شخصيا، وإن ظهر على الساحة 100 مسحوق مزيل للبقع غيره.
مصر كلها وبدون أن تدرى وفى نفس الوقت الزمنى الذى بدأت فيه فاطمة رحلتها لشراء «الأومو» فى منتصف التسعينيات، كانت تستيقظ من نوم طويل، ويعلن مواطنوها عن رحلة مشابهة لرحلة فاطمة من أجل شراء «أومو»، قادر على إزالة البقع السياسية السوداء التى علقت فى ثوب الحياة المصرية، منذ قرر نظام حكم المخلوع مبارك أن يعتنى بنظافته.
فى تلك الفترة ومع انطلاق الحملة الإعلانية للسيدة فاطمة التى كانت رايحة تشترى «أومو»، بدأ الشعب المصرى حملة غير متوقعة، وبداية صحوة تسير ببطء من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه فى الحياة السياسية المصرية.
السنوات كانت تمر ببطء، والشعب المصرى كان يواصل رحلته من أجل الحصول على أى مسحوق سياسى يساعده على تنظيف ثوب مصر، الذى تملؤه بقع القهر والتعذيب والطوارئ والتزوير، صحيح لم يصل مواطن واحد للدكان الذى يبيع المسحوق، ولكن الرحلة ظلت مستمرة.
الأيام مرت والكثير من الناس بدأ يدرك أن رجال النظام الحاكم ليسوا الملائكة الغلاظ الشداد الذين تصعب هزيمتهم، وبدأت الدكاكين تفتح، وبدأت مساحيق إزالة بقع العشوائية والمحسوبية والظلم تظهر.. مظاهرات فى وسط البلد.. تهتف بسقوط النظام.... كفاية.. صحف معارضة.. جمعية وطنية للتغيير، وغيرها من المساحيق تشتريها الناس بقلوبها وتدعك بها وجه النظام، لعله يصبح أكثر بياضا مما هو عليه بسبب بقع الاستبداد.
غياب فاطمة الطويل أشعل الثورة فى نفوس المصريين، وخرجوا فى 25 يناير لإسقاط مبارك، ودخلوا دورة غسيل جديدة برعاية إخوانية تاهت فاطمة بين دهاليز أكاذيبها، وزيف مسحوقها المغشوش، لتنطلق موجة ثورية جديدة فى 30 يونيو تخلع الرئيس الإخوانى، وتدعو فاطمة للعودة بمسحوقها الذهبى لإنقاذ مصر من أوساخ النظامين المباركى والإخوانى.. ولكن شيئا لم يحدث حتى الآن.
فقط اكتشف الناس أن المساحيق العادية لم تفلح فى تنظيف أيدى رجال الحكم من ملوثات التعذيب، والقهر، وكتم الحريات، ربما لأنها ليست فى براعة وقدرة الـ«أومو» الذى ذهبت فاطمة لشرائه منذ منتصف التسعينيات ولم يخبرنا إعلانا تليفزيونيا أنها قد وجدته حتى الآن، أو ربما لأن البقع والملوثات التى تركها النظامان على ثوب الحياة المصرية قاسية، وعصية على الكرات الزرقاء التى أضافوها للمساحيق الجديدة، أو لأن المصريين لم يأخذوا فم الغسيل بضمير، وأخذوه على عجل وبدون تخطيط،أو لأننا لم ندرك بعد أن الأزمة لم تعد فى رأس السلطة، الأزمة فى مجتمع يحتاج إلى أن يثور على نفسه قبل أن يقرر الثورة على الآخرين.
ربما حصلت فاطمة على الأومو خاصتها، ولكنها ضلت الطريق، أو تخطط لعودتها بشكل سليم مثلها مثلنا بالضبط، بذلنا جهدا كبيرا فى الحصول على الأومو خاصتنا، وذاقت ألسنتنا طعم الحرية، ولكننا مازلنا لا نعرف الطريق نحو المنصة التى سنقف فوقها لنطالب بحقنا، ونحصل عليه من أول لفة للغسالة.. ويا رب تكون أوتوماتيك حتى تكون نهاية فم الغسيل سريعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة