أزعم أن حال الثقافة فى مصر لن يتحسن إلا إذا أصبحت الثقافة «كالماء والهواء» على حد تعبير عميد الأدب العربى «طه حسين» ولن تقوم للثقافة المصرية قائمة إلا إذا أصبحت مفردات الثقافة المصرية «أدوات حياة» نعيش بها ولا نستغنى عنها، بالشكل الذى يسمح لها بأن تتوغل فى وجداننا وتشكل شخصيتنا وتحدد زاوية النظر لأعيننا، فمن وجهة نظرى فإن أكثر أعداء الثقافة ضراوة ليس تنظيم داعش أو القاعدة أو الإخوان وإنما «الاغتراب الثقافى» هو العدو، لكننا للأسف نعتبر ولا حتى نحذر.
نحن نقول إن الأفكار الإجرامية المتسترة فى الدين الإسلامى غريبة عنا وعن تاريخنا، لكننا للأسف لا نقدم بديلا، نشتكى من تكاثر منابر التطرف والتشدد لكننا لا نفتح للتسامح والجمال والمحبة منافذ بديلة، نعانى من اغتراب شبابنا عن مفردات هويتهم لكننا لا ندعم هذه الهوية بأى شكل ولا نسعى لتسريب هذه المفردات إلى حياتنا المعاصرة، وبقينا «كنخبة» مستمتعين بترديد تلك المقولات دون أن نطرح مخرجا لهذه الأزمنة ودون أن نقدم الثقافة باعتبارها «مشروعا» له أبعاد اقتصادية وتاريخية وحضارية.
ما أطرحه هنا ليس أكثر من «خطوة عملية» لتحريك مياه «الاقتصاد الثقافى» الراكدة، فليست الثقافة كتاب ومسرح وفن تشكيلى فحسب، وإنما هى دليل تفاعل الإنسان مع بيئته وعصره وصورة من صور فلسفته فى الحياة، ولقد تغربنا كثيرا عن إنتاج صيغنا الخاصة لهذا التفاعل واستعرنا من الحضارة الغربية كل أشكال تفاعلها مع الحياة، فأصبحت ميدالية المفاتيح «غربية» وباب الشقة «غربى» وأدوات الحلى والزينة «غربية» وأنواع ملابسنا وأشكالها «غربية» وأدوات طعامنا «غربية» وكان طبيعيا وسط كل هذا التغريب أن يشعر شبابنا بالاغتراب، وأن تصبح الحياة على الطريقة الغربية «أملا» عند البعض، وطوقا خانقا عند البعض الآخر.
هنا أدعو الدكتور عبد الواحد النبوى وزير الثقافة إلى عمل نهضة حقيقية للحرف التراثية، وأن ينشئ مجلسا وطنيا لرعاية هذه الحرف وتطويرها وتحديثها بما يناسب العصر الحاضر، وأن تتولى وزارة الثقافة بالاشتراك مع وزارة الصناعة والتجارة تدريب الكوادر الشابة من أجل إتقان هذه الحرف سواء بشكلها التقليدى أو شكلها المطور، بالشكل الذى يسمح لنا بأن نضيف مسحة «حضارية مصرية» على حياتنا المعاصرة، وأن تسهم وزاراتنا المختلفة فى تنشيط هذه الصناعة «المربحة» وترويجها وإتاحتها للناس فى كل مكان، وأخيرا أن تتفق وزارة الثقافة مع وزارة التنمية المحلية بأن تخصص «أكشاكا» فى الشوارع والميادين لبيع هذه المنتجات، بدلا من أن تظل غاية ملايين الشباب عمل «كشك سجائر» فيصبح عمل ملايين الشباب معتمدا على «أكشاك الهوية».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة