بعد أن تناولنا أمس كلمة الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الإمارات ورئيس مجلس وزرائها ورئيس وفدها فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، نتناول اليوم كلمة السيد «عمر البشير» رئيس جمهورية السودان فى ذات المؤتمر الذى لا أبالغ إذا قلت إنه أعاد تشكيل ميزان القوى العالمية وصدر إلى العالم تحالفات سياسية واقتصادية جديدة ربما يكون لها دور كبير فى تغيير الخريطة العالمية ومراجعة الحسابات والمعتقدات وإعادة ترتيب الأولويات.
تأتى كلمة الرئيس عمر البشير بالنسبة لى فى المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد كلمة الشيخ محمد بن راشد، فقد مثل ظهور البشير فى حد ذاته إشارة قوية للكثيرين حول مواقف العالم من مصر، عمر البشير ينتمى بحكم التكوين والنشأة إلى تيار «الإسلام السياسى» كما أنه كان على علاقة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها المسجونين حاليا فى سجون مصر، ولعل ظهوره فى مؤتمر كبير كهذا يؤكد أن مصر ليست دولة اضطهاد واستبداد، كما أنها لا تمانع مع إقامة علاقات قوية مع قيادات الدول العربية التى تختلف معها «أيديولوجيا» لكنها ضد أن يكون هذا الخلاف الأيديولوجى سببا من أسباب العبث بأمنها القومى، كما أن وجود «البشير» فى قمة شرم الشيخ يبعث برسالة للعالم بأن حلفاء جماعة الإخوان السابقين تركوها إلى غير رجعة بعدما ظهر فساد الجماعة للعيان، وهو ما يعنى أن وجود البشير أضاف شرعية عالمية جديدة للحكم فى مصر بعد أشهر طويلة من الشد والجذب.
لدينا مع السودان حدود مشتركة ومصير مشترك وتحديات مشتركة، وأعتقد أن المحبة التى تجمع الشعبين لا تحتاج إلى برهان أو تأكيد، لكن هذه المحبة تحتاج إلى رعاية دائمة لتنعكس آثارها على الشعبين بما يحقق الرفاهية والوئام، بعيدا عن المزايدات الإعلامية وأبواق النفخ فى الكير فى وسائل الإعلام المقيتة وصفحات الفيس بوك المتخلفة التى هاجمت وجود عمر البشير على أرض مصر تحت زعم انتمائه للإخوان، وكأن من ثاروا على جماعة الإخوان لأنها لا تراعى سوى «الأهل والعشيرة» تقمصوا خصالها الدميمة فصارت لديهم 30 يونيو بديلا عن الأهل والعشيرة وصار التصنيف على الهوية.
لدينا مع السودان مهمات متعددة، نريد أن نكافح سويا ضد تهريب السلاح والبشر والمخدرات عبر الحدود المشتركة، ونريد أن نكافح سويا فى ملف وادى النيل لضمان استمرار تدفقه لما يحقق سلامة الشعبين، ونريد أن نتكامل سياسيا واقتصاديا لكى نستغنى عن الغير، نريد أن نتوسع أفريقيا عبر بوابتنا الجنوبية التى يقطنها أهل وإخوة وأصدقاء، ونريد أن تعود مصر لتصبح قوة إقليمية وعالمية كبيرة ومؤثرة، ونريد أن نمضى إلى المستقبل بخطى واثقة وعيون مفتوحة، لا بأفواه كريهة تنفث السموم فى العقول والآذان.