منذ فترة ونحن أمام نوع من البنى آدمين عيّن نفسه ناقدًا فنيًا، وإنسانيًا وسياسيًا واجتماعيًا وتموينيًا، لا يكتفى بإبداء الرأى، لكن يصدر أحكامًا نهائية لا تقبل الاستئناف، والمفارقة أن هؤلاء الأشاوس يدّعون حرية الرأى، بينما هم دواعش الفكر.. طبعًا من حق أى مواطن أن يبدى رأيه فى فنان، يسمع مغنيًا أو يتجاهله، يشاهد فيلمًا أو يعطيه ظهره، لكن ما ليس من حق هذا الكائن أو ذاك أن يحدد للفنان من يكلمه، ومن يصافحه، ولمن يغنى، لكننا أمام ظاهرة الكائن الذى ولد وترعرع فى عوالم التواصل، تصيبه اللايكات بالغرور، ويحوله الريتويت إلى ديك رومى إعلامى يجلس على منصة ليقرر إعدام شخص أو تبرئته من دون حيثيات.
نقول هذا بمناسبة الحملة التى أعلنها بعض كبار «فلاقسة» الزمن، ونقاد «البعتمون»، ضد الفنان محمد منير، لمجرد أن منير غنى لحدث هو مقتنع به، وفى أثناء ذلك وجه مجاملة لشخص ما أو قناة ما، أيًا كانت هذه القناة وهذا الشخص، طبعًا هو حر فيما يبديه، حتى لو لم يأت على هوى كلامنجية التقعير، ممن يفضلون خلط الفن بالسياسة بالهجص.
بعض هؤلاء «الملاحيس» أفسدوا روح الثورة بخلط السياسة بالفن، وصنعوا من تافهين فنانى ثورة، ومن آخرين مناضلين، وحاكموا ممثلًا أو ممثلة على رأى أعلنه، مع أنهم يصدعونك طوال الوقت بكلام عن حرية الرأى والتعبير، وعمق «الفنحصة البيضاوية فى تماهى القهر بالملبس الأبيض».
محمد منير فنان له حضور فى ثلاثة أجيال على الأقل، متميز، ولم يدّعِ يومًا أنه زعيم، حتى لو كان جزء من غنائه مثيرًا للحلم، حافظ على تميزه وألوانه التى قدمها بفن وإخلاص، لم يتغير شىء فى كل هذا لينقلب عليه حكماء الأولمب، وزعماء نص الليل.. منير قدّم على مدى عقود رصيدًا من الفن المحترم، وصمد بفنه وسط أجواء متناقضة، ثم أن من حقه أن يبدى إعجابًا بفلان أو علان، يشاهد هذه القناة أو يقاطعها، لكن ماذا يمكن القول فى مرحلة أصبح فيها الهتيف مطربًا وزعيمًا لمجرد أنه ملاكم يمتلك صوت بلاعة، والبلطجى فنانًا لمجرد قدرته على الشتم والردح.
الفنان، سواء أكان ممثلًا أم مطربًا، بمجمل أعماله، ومواقفه، وحاصل جمع ما قدمه، ومنير له رصيد ضخم من الفن الرائع لا يمكن شطبه بجرة كيبورد، أو بقرار من كنبة فيس بوك وتويتر، لكن الأمر تجاوز الرأى ليتحول إلى قطع طريق، ومولوتوف على من لا يعجب البعض ممن عينوا أنفسهم وكيلًا رسميًا للثورية والفن والكلاكيع المجعلصة، وكرّهوا الناس فى حياتهم وفى التغيير، من كثرة إلقاء الكآبة على كل جميل.