كان الروائى الكبير الراحل فتحى غانم متحاملا بالفعل على محمد عبدالوهاب، للدرجة التى جعلت كثيرين يعتبرونه عدوه الأول، وفى نهاية الخمسينيات حاول الإجابة على سؤال طرحه خصوم موسيقار الأجيال: هل بلغ سن اليأس الفنى؟، غانم رأى أن عبدالوهاب رسم خطة لنفسه سار عليها طوال تاريخه الفنى، وهى مراقبة الأفكار الموسيقية الجديدة التى تظهر، ثم يتولاها هو بالتحسين والتجميل والزخرفة ويعرضها فى رشاقة وذوق، ويرى أيضا أنه لم يحاول أن يشقى فى حفر الأرض وتفتيت الصخر، ليحصل على المعادن الخام المخبوءة المدفونة، وترك هذه المهمة الشاقة المتعبة لغيره، وكلما ظهر ملحن بأفكار جديدة خام تدخل عبدالوهاب كالصائغ البارع، يجلوها ويضفى عليها البريق واللمعان الأخاذ، واتهمه بأخذ ألحان سيد درويش وطلائها، وفعل الشىء نفسه مع طقاطيق القصبجى، حتى الأجيال التالية مثل صدقى والطويل والشريف لم تسلم من الفنان الكبير حسب زعم فتحى غانم، وردد التهمة الجاهزة التى يروج لها الخصوم غير السميعة الذين يحزنهم محبة الناس لموسيقار مصر، وهى الاقتباس.
تشعر وأنت تقرأ كتاب «وجوه أخرى» لفتحى غانم «الذى صدر بمناسبة مؤتمر القاهرة الدولى للرواية العربية فى الأسبوع الماضى وأعده وقدم له شعبان يوسف»، أن الروائى الكبير كان يتبنى وجهة نظر كل خصوم عبدالوهاب وموسيقاه المصرية الرقراقة، واتهمه بعد كل هذا النقد والتجريح أنه لم يكن يتقبل النقد، عاش عبدالوهاب وعاشت موسيقاه ويزداد محبوه كل يوم، ولم تفلح حملات تشويهه فى الماضى فى حجب عبقريته، لأنه كان ولا يزال يصل إلى القلب من أقصر طريق، غانم كتب أيضا عن عبدالوهاب: «كلما تقابلنا تدور بيننا مناقشة فى الموسيقى، مناقشة هادئة وعميقة، ويقول لى عبدالوهاب إننى مخطئ فى هذا الرأى، ويبرهن على الخطأ بعشرة أسباب»، واعترف أنه لم يكن متعصبا ولا متحمسا لفنه فى اندفاع أعمى.. رحم الله أيامهما.