مع كل كارثة وحادثة مرورية بشعة نتحرك ونجرى فى كل اتجاه، ونصدر التصريحات المهدئة للمشاعر الغاضبة.. ثم يمر يوم أو يومان وتعود الحكومة ويعود المسؤولون إلى العادة المصرية القديمة، المغروسة فى «جين» الشخصية المصرية البيروقراطية، وهى الوصول إلى الدرجة القصوى من الانفعال والتفاعل مع الكارثة، ثم العودة سريعا إلى الهدوء انتظارا لكارثة أخرى تحصد أرواح المصريين الغلابة على طرق الموت فى مصر، دون أن نصل إلى حلول جذرية للحد من هذه الكوارث، وتفعيل القوانين المرورية الموجودة فى الأدراج، بدلاً من إصدار قوانين انفعالية جديدة وفقا لظروف الحادث.
ترعة المريوطية فى منطقة الهرم بالجيزة كانت عنوان المشهد المأساوى الجديد القديم فى مصر، بعد حادث مرورى مأساوى راح ضحيته 12 من العمال «الغلابة» الذين كانوا داخل حافلة ليست أحسن حالاً من حالة الطرق المتهالكة فى مصر، فى طريقهم للسعى على قوتهم وقوت أولادهم اليومى فى أحد المشاريع الإنشائية فى مدينة 6 أكتوبر، فكان مصيرهم الموت غرقاً وخنقاً، سواء كان لأسباب السرعة الزائدة لسائق الحافلة أو لاصتدامه بسيارة نقل ضخمة أو لانفجار إطار الحافلة.
أياً كانت الأسباب، فالمتهم الرئيسى فى هذا الحادث وكل الحوادث المرورية السابقة والمحتملة هو الإهمال الجسيم من الحكومة لإصلاح الطرق، خاصة الطرق الدائرية والسريعة التى لا تصلح للسير عليها، ومن قام بتنفيذها لم يراع ضميره، ولم يفكر أبدا أن هناك أرواحا بريئة من المصريين الغلابة ستذهب ضحية فساد الضمائر والصفقات المشبوهة.
لا أحمل السائق ولا الشركة مسؤولية الحادث، فالمسؤولية هنا مسؤولية الحكومة التى تتألم وتتوجع مع سفك دماء المصريين على طرقات الموت ثم تستقر فى مقرها هادئة مستبشرة فى نهاية اليوم، دون أن يكون هناك تحرك حقيقى وليس «شو إعلامى»، أين هيئة الطرق ووزارة الإسكان المسؤولة عن الطرق السريعة ومتابعة صيانتها وإصلاحها، وأين وزارة الداخلية وإدارة المرور لتفعيل القوانين الصارمة للحد من السرعة الزائدة، وتنظيم مواعيد سير سيارات النقل الضخمة من منتصف الليل، وحتى السادسة صباحا فى كل أنحاء مصر، وليس داخل القاهرة الكبرى فقط. يا سيادة رئيس الوزراء أرواح المصريين أغلى من أى شىء، لأنها الثروة الحقيقية فى مشروع التنمية وليس شيئا آخر.