«.. واعتقد رهبان الملك أن فى داخل الساعة شيطانا يسكنها ويحركها، وجاءوا إلى الساعة أثناء الليل، وأحضروا معهم فؤوسا وحطموها إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا سوى آلاتها!»... ببساطة هكذا يلخص تاريخنا ما كنا عليه من علم وما كان فيه الغرب من جهل، ولا أعلم بدقة إذا ما كانت تلك الصورة التى وصلتنا عن الفرق بين العرب والغرب صحيحة أم أنها إعادة إنتاج للأحقاد القديمة، وتستكمل الرواية، أن شارلمان ملك فرنسا حزن بشدة على تدمير الساعة، وهو ما يشبه كثيرا حزننا اليوم ونحن على أعتاب تحول تكنولوجى جديد صنعه أحفاد شارلمان فى الغرب، لا نملك نحن أحفاد هارون الرشيد إلا أن نوارب أفواهنا انبهارا- وربما بلاهة- أمام ما صنعوه.
وأنت تقرأ هذا المقال ينتظر العالم بلهفة طرح ساعة «آبل» الذكية والتى، فى وجهة نظرى، ستغير مفاهيم الناس فى استخدام الساعات، قد تعتبر أن سعرها المرتفع يقلل من صدق ما أقوله، لكن دعنى أنقل لك توقعات خبراء السوق الذين قدروا ما ستبيعه الشركة من هذه الساعات خلال العام الحالى بحوالى 26 مليون ساعة، وقد يتضاعف الرقم بنهاية العام 2016، وللإنصاف فإن الإمكانيات التى أعلن عنها فى تلك الساعة تجعلك تشعر بالفضول واللهفة لترى كل تلك المزايا تتراقص على سطح معصمك بلمسة واحدة.
نحن إذن أمام عصر جديد من التطور ينهى 5 قرون من أمجاد ساعات اليد بشكلها الحديث منذ أن طورها صانع الأقفال الألمانى بيتر هينلاين، فى اعتقادى سينشغل المهتمون بعالم المال لفترة غير هينة بالتساؤل حول مصير ماركات الساعات الكبرى وما خلفها من استثمارات استقرت لعقود دون أن تتأثر بكل ما تأثرت به مسيرة البشر من حروب وأزمات طاحنة أزاحت عروش وأزالت دولا، فى تلك الأثناء كانت تجارة الساعات تتقلب بين مراحل الانبهار والتعبير عن الحداثة والتفاخر.
الآن هم أمام تحدٍ جديد لم يجربوه من قبل، هم فى الحقيقة أمام منافس شرس لا يعرف سوى لغة الإبهار الذى يجنى الأرباح، منافس يجيد استغلال الرقائق فائقة الدقة عالية السرعة، يستخدم أنظمة تنافس العقل البشرى فى بعض وظائفه، بل أحيانا تتفوق عليه وتتوقع ما يريده هذا العقل، وتلبى متطلبات البشر دون أن يصرحوا بها، وتلك أهم ما يميز هذه التكنولوجيات الجديدة، أنها تخدم الكسل بداخلك وضميرك مرتاح.. الآن لا نملك سوى أن نجلس لننتظر عصرا جديدا تبدأه ساعة أخرى، دون أن نشعر بذرة تأنيب لهذا الضمير.