تفكر أغلب النخب المصرية السياسية.. وفق منظومة عصر الثورة الصناعية، وتفتقد الرؤية لإدراك منظومة تفكير ثورة الاتصالات، فنجدها دائما تلقى اللوم على الإعلام وكأنه صانع الأزمات.. رغم أنه كاشف وليس منشأ لتلك الأزمات، كما نجد أغلب قادة الأحزاب فى مصر لا يجدون آلية لمعالجة أزماتهم إلا عن طريق شخصنتها، وأتوقف هنا أمام حالة «الذهول» التى انتابت أغلب الأقباط فى مصر من خروج الرهبان من «القلالى» إلى الفضائيات، وأحساس البعض أنها نهاية العالم، ودون الدخول فى تفاصيل الأزمة، فإن الجميع لا يدركون أن الأديرة دخلتها الحداثة قبل الكنيسة، ومن يتأمل الأزمات الديرية المتكررة وسرعة انتقال أخبارها يدرك أن معظم الرهبان يمتلكون أجهزة حديثة من تليفونات محمولة وحاسبات آلية شخصية، فى الوقت الذى تأخرت فيه الكنيسة ربع قرن عن ملاحقة حداثة الدير وعينت منذ عام فقط متحدثا رسميا، وتأخر إدراك المنظومة الكنسية للمجتمع المدنى «القبطى»، ومن ثم أصبحت الكنيسة مطالبة بإعادة النظر فى منظومة الرهبنة وفق متغيرات عصر ثورة الاتصالات، وتجديد مفهوم النذور الثلاثة «الفقر والعفة والطاعة» ولا أقول تغييرها.
على الجانب الآخر لاحظت أن الخلافات الحزبية المطروحة والتى ظهرت فى الهجوم على حزب المصريين الأحرار، سواء من بعض «المستقيلين» منه.. أو من قادة أحزاب أخرى، أن هؤلاء، مع احترامى مازالوا يعيشون أسرى مفهوم الحزب «الهرمى أو الشمولى» الذى تأسس فى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين فى مصر، حيث الحزب «طليعة طبقية»، أو زعيم ومستويات خاضعة لبعضها البعض، فجاء حزب المصريين الأحرار كأول تجربة مصرية للحزب السياسى الذى يمثل ذراعا سياسيا لجماعات ضغط اجتماعية واقتصادية، حزب «شبكى» لا «هرمى» بلا زعيم يؤمر فيطاع، وخلق مناخ ليبرالى تنظيمى مدنى، حزب مؤسساته الاجتماعية والنوعية تتمتع بشبه استقلالية تنظيمية ورؤية سياسية، حزب أمينه العام والقائم بأعمال الرئيس «أقرب للمنسق» ولائحته تخضع لتطور البنية التنظيمية وليس العكس، وله ثلاث غرف تنظيمية مترابطة ومستقلة فى نفس الوقت «مجلس الأمناء، الهيئة العليا، الهيئة البرلمانية» وهو الحزب الوجيد الذى يتمثل فيه قطاعات الوطن الثلاثة «رجال دولة ومجتمع مدنى وقطاع خاص»، لذلك من افتقدوا فهم رؤية هذا الحزب «الذراع السياسى لقوى اقتصادية واجتماعية»، حزب يمثل ثورة الاتصالات، شخصنوا الأمور أو أعزوا هذا إلى النواحى المالية، رغم أن أغلب من قاموا بذلك رجال أعمال لديهم مؤسسات اقتصادية..!!
لذلك تعانى أغلب النخب المصرية الدينية والمدنية فى أزمة فهم أننا نعيش فى عالم متغيير، حيث البنى الفكرية والتنظيمية انتهى عمرها الافتراضى، ولا يحتاج الأمر سوى إعادة النظر فى رؤيتنا وطرق تفكيرنا، وأساليب عملنا.