أنت لا تستطيع أن تدخل إلى شقة إلا عبر الباب، وإن تعذر الأمر فلا سبيل للدخول إلا من النافذة، وإن لم تكن للشقة أبواب ونوافذ فمن المستحيل أن تدخلها إلا عبر تكسير إحدى الحوائط، متحملا مشقة هذا التكسير وخسائره، ولو فرضنا أن العقول مثل البيوت، وأن هذه العقول أغلقت على بعض المفاهيم البالية، وأن الدولة تريد الآن أن تدخل إلى هذه العقول لتنقى ما بها من مفاهيم جلبت الويلات إلى شعوبنا، فليس أمام الدولة إلا أن تدخلها الآن بأية طريقة، وأن تصنع لهذه العقول أبوابا ونوافذ، وأن تحرص على أن تظل هذه العقول مفتوحة على الدوام لتدخلها الشمس وينقيها الهواء.
تقول الدولة على لسان أكبر رأس فيها، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن حل أزمتنا الحالية وما يتبعها من تنامى موجات الإرهاب الإسلامى هو تجديد الخطاب الدينى، وقد سبقت وقلت إن الأزمة ليست أزمة خطاب دينى، وإنما أزمة «وعى بالدينى»، ولأن هذه القضية أصبحت الآن «قضية الساعة»، ولأنها اتخذت أبعادًا متشعبة على يد بعض من يحاولون تجديد الخطاب الدينى بعنف فكرى شديد يقارب عنف «الدواعش»، فإننى أرى أنه من المهم الآن أن نتفق على آليات لتجديد الخطاب الدينى دون تطاول مقيت أو عنف مؤذٍ، ودون استكانة مميتة أو تحجر قاتل، ولا يجب على الدولة أن تترك هذه المعركة هكذا دون حتى أن تحاول تقريب وجهات النظر والسعى لعمل نقاط تلاقى حقيقية بين المتشددين فى التجديد والمتعصبين للسلف.
أقترح هنا على الدولة أن تقوم بعمل لقاءات بحثية تحت رعاية وزارة الثقافة بين هذين الفريقين، على أن يكون الهدف من هذه اللقاءات هو الوصول إلى نقاط اتفاق وليس الاستعراض الإعلامى، ويستخدم المحاورون المنهج العلمى فى الدراسة والتحقيق، وأن تسجل هذه المناقشات بشكل علمى ويتم عرضها بعد الانتهاء منها على الرأى العام للاستفادة بنتائجها وإنجازاتها.
نحن نحتاج إلى عقد اجتماعى جديد، وأعتقد أن أهم مفردات هذا العقد الاجتماعى الاتفاق حول الدين بمعناه الأسمى، بالشكل الذى لا يضعه فى قفص الاتهام ولا يحقر من شأنه أو من شأن رموزه وأئمته، والأهم من كل هذا هو أن تعمل الدولة «نجارا» يفتح نوافذ العقول على العلم والعمل والمنطقية فى التفكير، فتربية أطفالنا على أن يكون لهم وجهة نظر نقدية فى كل ما يعرض عليهم فى الحياة تسهل علينا الكثير من الصعاب وتجنبنا الكثير من المشكلات، فالتربية النقدية ستكون بمثابة النافذة المفتوحة على الدوام، وستكون بمثابة الباب الذى يهيئ لنا مدخلاً سلسًا ويحمينا من المعتدين والمخترقين.