يقول المؤرخ الاقتصادى ألكسندر جيرتشينكرون: "الدول التى تبدأ فى التنمية الاقتصادية حديثًا تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وبذلك توفر الوقت والمال والجهد، كما أن الدول النامية، وبسبب قفزاتها السريعة، فإنها تحقق نموًا اقتصاديًا أكبر، وتنمو بشكل أسرع من الدول الرائدة".
هكذا كان المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فقد فاق كل التوقعات وحاز على احترام الجميع ومنح المصريين برهة للراحة من معارك "التوك تشويش"، وزرع الأمل فى النفوس كبديل عن الآلم ولو مؤقتًا، وأصبح السؤال الذى يدور فى الأذهان هل يمكن أن تتحقق هذه الأحلام وتتحول إلى واقع يعيشه المواطنون؟ أم سنبقى نحلق فى عالم الخيال وكأننا نشاهد عرضًا مسرحيًا جميلاً لا يبقى منه سوى الذكريات؟.
التجارب العالمية تؤكد أن ذلك ممكن، بل يمكن تحقيق أكثر من ذلك خلال سنوات قليلة، فالمعجزة الكورية يمكن تكرارها فى الصحراء المصرية، فقد كانت كوريا الجنوبية حتى منتصف الستينيات من القرن الماضى ثالث أفقر دولة فى آسيا ولكنها تحولت للرقم المضاد خلال عدة سنوات قليلة لتصبح ثالث أكبر دولة صناعية فى آسيا بعد الصين واليونان وعاشر دولة على مستوى العالم، مما أجبر علماء الاقتصاد على تسميتها بـ"المعجزة الاقتصادية"، نظرًا للفترة القصيرة التى استغرقتها عملية التحوّل من دولة فقيرة متخلفة إلى دولة صناعية متطورة. فبعد أن ظلت ترنح تحت الفقر والاحتلال حتى عام 1962، بالإضافة إلى حرب طاحنة مع جارتها الشمالية استمرت ثلاث سنوات (1950-1953)، أسفرت عن مقتل 3 ملايين كورى، وتدمير البنية التحتية، ولكنها خرجت من ركام هذه المآسى بإرادة بلا حدود، جعلتها تصنع مصيرها بيدها رغم الحروب، وقسوة التقسيم، وهيمنة القوى العظمى.
فقد زاد الدخل القومى من 2.3 مليار دولار فى سنة 1962 إلى 680 مليار دولار فى عام 2004، وارتفع إلى 1007 مليارات دولار عام 2010، ثم وصل إلى 1460 مليار دولار.
كما ارتفعت احتياطات العملات الأجنبية من 8 مليارات دولار عام 1998 إلى 200 مليار دولار عام 2004، و305 مليارات عام 2011.
ولكن من أين كانت البداية؟، كانت من التعليم فعندما قدمت الولايات المتحدة حوالى 100 مليون دولار مساعدات لكوريا عام 1966 استخدمت فى بناء المدارس والمؤسسات التعليمية، وبذلك ساهمت فى إنشاء الهياكل الأساسية للتعليم، حتى تمكنت كوريا الجنوبية من جعل نظام التربية والتعليم أداة فعالة فى مسيرة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنظام التربوى هناك يهتم باكتساب المهارات وتعزيز القدرات، والتطوير النوعى، وبناء أجسام وتنمية ذكاء ولغة الأطفال منذ مرحلة رياض الأطفال، أما المرحلة الثانوية فتُعِدُّ الإنسان للدراسة والحياة فى آن واحد، حيث تنقسم إلى أكاديمى وفنى ومهنى.
كما تعتمد الدراسة على فكرة التوجيه والإرشاد الطلابى بحيث يقوم المرشد الأكاديمى بدراسة سيكولوجيا وذكاء وقدرات الأطفال وتوجيههم التوجيه الصحيح نحو التخصص المناسب لقدراتهم مع التأكيد على سمو وأهمية العمل المهنى لأنه أساس تطور البلاد، علمًا أن معدل الإنفاق على التعليم بلغ 21% من الدخل القومى.
إذا كان الاهتمام بالتعليم فى كوريا ينبع من الفلسفة الكونفوشيوسية التى تقول إن التعليم هو المفتاح الوحيد للنجاح فى المستقبل والحاضر، فإن ذلك ترافق مع قرر الدولة أن تحل "اليد المرئية" للدولة محل "اليد الخفية"، فهل تسير مصر فى هذا الطريق أم ستظل أسيرة لليد الخفية والدروس الخصوصية؟.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة